٭ رغم أن الحكومة الإسرائيلية على لسان نتنياهو نفت أن تكون لها علاقة بقصف مصنع اليرموك للتصنيع الحربي بالخرطوم ورغم أن المسؤول الرفيع في وزارة الدفاع عاموس جلعاد الذي أطلق تصريحات حادة ضد السودان عقب العدوان على مصنع اليرموك لم يشر هو الآخر إلى مسؤولية دولته عن قصف المصنع، إلا أن التغطية الإعلامية العسكرية قد ربطت هذا المصنع الحربي بجهة خارجية لها مع إسرائيل عداوة «مُعلنة». وقد كتب المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرنوت الصهيونية «ألكس فيشمان» يقول بأن الإيرانيين اختاروا أن يقيموا في السودان مركزاً لوجستياً يقصد مصنع اليرموك يديرون منه تهريب الأسلحة إلى غزة ولبنان، ويقول لذلك فإن الأهداف التي هوجمت في السودان أهداف شرعية بالنسبة لإسرائيل. إذن كأنما دولة العدو اليهودي تريد أن تتبنى هذا الهجوم من خلال وسائط الإعلام وبأقلام وألسنة غير رسمية، حتى لا تصمم القضية أمام مجلس الأمن الدولي بصورة تدين إسرائيل على الأقل في نظر المجتمع الدولي.. أي أن الشكوى التي تعتزم الحكومة السودانية التقدم بها إلى مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل على خلفية اتهامها بمسؤوليتها عن الهجوم حسب نتائج التحقيق الأولية وبعض القرائن ستقف أمامها محاولات نفي إسرائيل على المستوى الرسمي، وبالطبع فإن المحكمة لن تأخذ في الاعتبار تلميحات المحللين أو الصحف مثل صحيفة يديعوت أحرنوت. وتكون بذلك إسرائيل قد حققت على الصعيد الإعلامي هدفًا مهمًا هو تبنيها للعملية الإرهابية التي أعدَّت لها من حصص الدعم والتمويل الأمريكية السنوية، وحققت أيضاًَ على الصعيد القانوني هدفاً آخر هو إمكانية حصولها على البراءة ما دام أنها نفت «رسمياً» أية مسؤولية لها عن الهجوم. ومعلوم أن مجلس الأمن الذي يتعامل وفق المنهج الأمريكي بمجرد الاشتباهات وما يسمَّى الأدلة السرية مع كثير من الدول المستضعَفة التي يكلفها الأمن والاستقرار عزتها وكرامتها في عالم في أمريكا وإسرائيل، لا يتعامل بهذا المنهج مع إسرائيل باعتبار أنها جزء من تركيبته العقلية. لا يغني الحديث عن إدانة إسرائيل أو لعنها شيئاً بعد أن تفعل هي ما تريد بفضل الدعم الأمريكي وقبله البريطاني طبعاً، فهي قد ورثت أرض العرب من الانتداب البريطاني بوعد بلفور الذي أعلنه لصالح اليهود عام 1917م. لكن ما الذي يُغنى؟!. الذي يُغني هو أن يتمتع المسؤولون بذكاء ويحاولوا فهم نتائج كل خطوة يخطونها. وهذا يبدأ أولاً بمراجعة السياسات الخارجية والتعاون مع الخارج، بعد ذلك يستطيع المسؤولون أن يكتشفوا في ميزان التعاون الدولي أية كفة راجحة؟!. هل هي كفة المنافع أم الأضرار؟!.. لا أريد أن أخوض في هذه النقطة بالذات بأكثر من هذا، لكن نحن الآن في هذا العالم نمر بمرحلة عصيبة كدول مستضعَفة ومستهدَفة في عقيدتها واقتصادها وأمنها واستقرارها حتى لا تنهض على حساب مصالح الآخرين مثل الوجود الإسرائيلي في المنطقة. فتقدم الدول العربية أو الدول التي لا يسعها التطبيع مع إسرائيل يبقى مقلقاً ومزعجاً لها إلى حد كبير.. لذلك تضطر إسرائيل مستفيدة من الدعم المادي الأمريكي والتسامح القانوني لصالحها في مجلس الأمن تضطر لرصد أعلى الميزانيات لشل قدرات الدول الرافضة لوجودها، فهذا هو أهم مشروع سياسي لها، وقد نجحت أهدافه في العراق. إذن لا بد من مراعاة التوقيت وظروف المرحلة التي تحيط بكثير من دول «اللاءات الثلاث» في رسم وإعلان السياسة الخارجية، فأمريكا لن تترك أمن واستقرار السودان سواء بطريقة مباشرة مثل قصف مصنع الشفاء أو من خلال إسرائيل أو بعض دول الجوار، فهلاّ راجعنا سياستنا الخارجية؟!