دعونا نفكِّر في الأسباب التي تجعل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة هايلي منقريوس يولي زيارة الرئيس البشير إلى جوبا اهتماماً خاصاً لدرجة أن يُدلي بالتصريحات حولها!! منقريوس قال إن سلفا كير أكَّد له عقب لقائه به في جوبا للمرة الثانية أن البشير ينوي زيارة عاصمة دولة الجنوبجوبا لكنه لم يحدِّد موعداً للزيارة التي وصفها منقريوس بالحتمية!! الخبر السالفُ ذكْرُه نشرته عدة صحف لكنه لن يكتمل إلا بعد قراءة مزيد من التفاصيل المحيطة بالزيارة فقد تأكد أن زيارة البشير لجوبا محل تنازُع بين القيادات الجنوبية ففي حين ناقش نائب رئيس الجنوب رياك مشار الأمر مع المدَّعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بسنودا في نيروبي خلال الأيام القليلة الماضية ليحدِّثها عن حرصه على اكتمال الزيارة بدون أي تهديد للبشير فإن باقان كبير أولاد قرنق قابل المدَّعية بعد أن عاد مشار إلى جوبا حيث أكَّد لها أهمية توقيف البشير بترتيبات تُزيل الحرج عن حكومة الجنوب سيَّما وأن الأمر يمكن إتمامه من قِبل بعثة الأممالمتحدة في جنوب السودان (UNMISS) والقوات الأمريكية المشاركة في مطاردة جيش الرب اليوغندي بدون تدخل من حكومة الجنوب!! وزير الخارجية علي كرتي رهن زيارة البشير إلى جوبا بنتائج اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة بين وزيري دفاع السودان ودولة جنوب السودان وقال إن حكومة الجنوب اعتذرت لعدم تمكُّنها من سحب آلياتها العسكرية من الحدود بسبب الخريف مضيفاً أن الجنوب يحتل بعض الأراضي السودانية!! سبحان الله.. والله إني لأعجب أن نفكر مجرد تفكير في أن يزور الرئيس البشير جوبا حتى لو كان الخطر لا يتجاوز واحدًا بالمائة فكيف إذا كانت العلاقة لا تزال متوترة والجنوب يحتل جزءاً من أرضنا ويدعم جيشُه المتمردين بالسلاح والرجال كما يدعم قوات الجبهة الثورية السودانية بما فيها من متمردي دارفور... كيف إذا كانت جوبا لا تزال تحتضن عملاء الجنوب الذين يشنون الحرب على السودان وأعني تحديداً عرمان والحلو وعقار الذين ينزلون ضيوفاً على رفيق دربهم وقائد مشروع السودان الجديد والقائد الفعلي لقطاع الشمال باقان أموم؟! أعجب أن بعضنا لا يزال لا يصدِّق أن الجنوب ليس كله على قلب رجل واحد وأنه يعجّ بالخلافات القبلية والاثنية والفكرية ويهمني في أمر الخلافات الفكرية تحديداً أن أذكِّر بما ظللنا نتحدث عنه من قديم ومنذ الصراع (الدامي) بين قرنق وسلفا كير والذي كانت أبرز محطاته مؤتمر رومبيك قبل شهر من توقيع اتفاقية نيفاشا.. ذلك الصراع الذي لا نزال نشهد تجلياته في الخلافات التي تتفجر من حين لآخر بين أولاد قرنق وسلفا كير ومشار. اتفاق أديس أبابا الأخير كما يعلم القاصي والداني ليس محل إجماع في جنوب السودان ويعكس جزءاً من الخلافات التي تشهدها الساحة الجنوبية مما يجعل مجرد التفكير في ترتيب زيارة للبشير لمدينة جوبا أمراً غريباً بحق ولستُ أدري لماذا لا يقوم سلفا كير بزيارة الخرطوم وهو الذي لا يتهدده حكم من المحكمة الجنائية الدولية ولا يشك أحد في جوبا أو غيرها في أن زيارته آمنة تماماً ولا تنطوي على أي أخطار أمنية. أمرٌ آخر... بالله عليكم ما هو الفرق بين أن تتم هذه الزيارة وهذا اللقاء مع سلفا كير في جوبا أو أديس أبابا؟! لماذا لا تُناقَش القضايا التي يرى الجانبان أنها يمكن أن تُحسم في لقاء الرئيسَين... لماذا لا تُناقَش في أديس أبابا بدلاً من جوبا؟! إن جوبا لا يحكمها الجنوبيون وحدهم إنما يحكمها الخارج بما في ذلك أمريكا ومبعوثوها روجر ونتر وغيره والنرويج وبريطانيا ويوغندا التي يرأسها عدو السودان اللدود يوري موسيفيني ثم إن مراكز القوى التي تحدثنا عنها والتي من بينها المبغضون للسودان الساعون للانتقام منه بمن فيهم دعاة مشروع السودان الجديد ممن تفجر بغضهم حمماً وبراكين من الأحقاد التي تجسَّدت في اسم الحركة الذي لا يزال (يُرصع) بعبارة (تحرير السودان) فهؤلاء لا يزالون يعملون على تحريرنا في أرضنا وفي سوداننا نحن الدراويش الذين يمنحون ثقتهم بالمجان لمبغضيهم وشانئيهم!! والله العظيم لا يهمني الرئيس بصفته الشخصية رغم العلاقة الخاصة بقدر ما يهمني ما يحدث للسودان إن حدث شيء (فجائي) للرئيس وغاب عن المشهد السياسي وحدث فراغ دستوري في بلاد يتأهب حملة السلاح وأصحاب الأجندة العنصرية وقطاع الشمال ومساندوه في دولة جنوب السودان والخلايا النائمة في الخرطوم وأصحاب الأجندة الخارجية للانقضاض والإجهاز عليه وتحويله إلى صومال جديد. ليت أهل السودان أحاطوا علماً بما تدبره الجبهة الثورية السودانية التي وقَّعت على وثيقة مشروع السودان الجديد وأسمتها بوثيقة (إعادة هيكلة الدولة السودانية) وهل قام ذلك المشروع العنصري البغيض إلا على أساس إعادة هيكلة الدولة بما يُنهي هُويتها ودينها ولغتها العربية ويُخضعها لجنوب السودان ولعملائه التابعين من عنصريي جنوب كردفان والنيل الأزرق وحركات دارفور المسلحة؟! ألا يكفي دليلاً أن موقِّعي تلك الوثيقة يتكونون من قطاع الشمال التابع للحركة الشعبية والذي يتولى رئاسة الجبهة الثورية في شخص مالك عقار بالإضافة إلى حركة مناوي وحركة عبد الواحد محمد نور اللذين يعملان وفق نظرية السودان الجديد بدليل أن اسم حركتيهما هو (حركة تحرير السودان) وكذلك حركة جبريل إبراهيم التي كشفت عن وجهها العنصري العلماني بانضمامها للجبهة الثورية السودانية وكذلك بعض السذج من قيادات الأحزاب الشمالية الذين ارتضوا أن يبيعوا وطنهم بثمن بخس وفيهم نصر الدين الهادي نائب الصادق المهدي الذي بتردُّده المعهود لم يفتح الله عليه بقرار يُنهي علاقة ذلك المتمرد بحزب الأمة القومي والتوم هجو القيادي بحزب الميرغني المشارك في الحكومة في بلد العجائب رغم علم المؤتمر الوطني بهذا التناقض وهذه الخيانة الوطنية ورغم علم مجلس شؤون الأحزاب السياسية!! إنه السودان بلاد العجائب.. بل بلاد الإباحية السياسية وليس عجيباً أن نرى نموذجًا للخيانة الوطنية التي ترتكبها أحزابُنا في حق شعبها ووطنها وإنما العجيب أن يفكر المؤتمر الوطني مجرد تفكير في أن يرسل رئيسه ورئيس السودان في رحلة إلى المجهول على ظهر سفينة خرِبة يتسرَّب الماء من كل أطرافها في بحر متلاطم الأمواج!! --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.