كثر الحديث عن المفاوضات مع ما يُسمى بالحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال. «لا ندري من ماذا يحرر السودان؟؟». قطاع الشمال الذي لم يتوفر حتى الساعة تصريف محدد قاطع عن ماهيته، ويسأل الناس: هل هو تمرد مسلح ضد الدولة يعمل على تحقيق أهداف محددة، وما هي تلك الأهداف؟؟ أم أنه تيار سياسي شمالي تبنى أهداف وأجندة مشروع السودان الجديد المشروع الأمريكي الذي تبنته الحركة الشعبية من قبل بهدف تطبيقه على كل السودان قبل الاستفتاء وعندما اختارت الحركة الشعبية الانفصال وقيام دولتهم المستقلة تأبّط ملفه أبناء الشمال الذين قاتلوا مع الحركة الشعبية وكانوا من ضمن تنظيمها بقيادة د. قرنق وواصلوا العمل لتطبيق مشروع السودان الجديد في دولة السودان وقد ضمنوا السند المباشر من دولة الجنوب عسكرياً وسياسياً وإمدادياً ولم تخفِ دولة الجنوب ذلك السند بل أعلنته مراراً وأكدته في خطابها السياسي وفي معاملاتها الدولية وعلى الأرض ويؤكد ذلك الآتي: 1. لم يغب عن خطابها الرسمي على مستوى رئيس دولة الجنوب التزامهم بدعمهم للحركة الشعبية لتحرير قطاع الشمال المتمثل في أبناء جنوب كردفان والنيل الأزرق. 2. المماطلة في تنفيذ بروتكول الترتيبات الأمنية الموقع في نيفاشا فيما يتعلق بسحب الفرقتين التاسعة والعاشرة من جنوب كردفان والنيل الأزرق والاستمرار في توفير الاحتياجات القتالية والمادية لتلك القوات ودعم قياداتها سياسياً وتوفير المأوى لاجتماعاتهم ولقاءاتهم في الجنوب وتسهيل حركة المنظمات الدولية والمبعوثين من الدول الغربية لزيارة مناطقهم بدعوى العمل الإنساني. الواضح من مجريات الأحداث أن الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال وعلى رأسها الكمندو مالك عقار والكمندو عبد العزيز الحلو والكمندو ياسر عرمان وحفنة من أبناء الشمال ما زالوا متمسكين بالعمل مهما كان شكله في تحقيق الحلم الكبير الذي كان يحلم به الدكتور جون قرنق وهو تطبيق المشروع الأمريكي ما يسمى بمشروع السودان الجديد الذي يقوم باختصار على علمانية الحكم وعلى عدم علاقة الدين بالدولة وطمس الهوية والعقيدة التي ظل الشعب السوداني يتمسك بها ويدافع عنها. ومن هذا المنطق خرج السيناريو الذي تعمل تلك المجموعة للسير فيه بشقيه العسكري والسياسي، مجموعة تحمل السلاح تمرداً بدعم كامل من حكومة الجنوب، ومجموعة أخرى تحمل الأجندة التي تحقق أهدافهم تفاوضاً من منبر أديس بدعم سياسي جنوبي وغربي وأمبيكي ودولي وحتى من داخل السودان إعلامياً وسياسياً من أصوات تائهة غافلة. الحكومة في أكثر من مناسبة وموقف أعلنت عدم اعترافها بما يسمى بالحركة الشعبية لتحرر السودان قطاع الشمال الذي يمثله عقار وعرمان والحلو ودعم المفاوض الحكومي هذا الخط بأنهم لا يمثلون أبناء المنطقة «جنوب كردفان والنيل الأزرق» الذين تعنيهم المفاوضات. هذه المجموعة التي تتبنى مشروع السودان الجديد لتطبيقه في السودان بعد الانفصال تعلم أنها إذا اختارت خيار التمرد والحرب منفرداً للوصول إلى أهدافهم فستكون اتفاقية نيفاشا وبروتكول المشورة الشعبية عقبة في طريقهم وبها تسهل إقامة الحجة عليهم. وكذلك تعلم أنهم إذا اختاروا خيار العمل السياسي للوصول إلى أهدافهم لا بد لهم من التسجيل كحزب سياسي بموجب قانون الأحزاب وطرح مشروعهم وأهدافهم كبرنامج وخط سياسي يعرضون بضاعتهم من خلاله للناخب عن طريق صناديق الانتخابات. ولكنهم على علم بضعف قاعدتهم السياسية وسط الشارع السياسي. وهذه هي الأسباب التي جعلتهم يخلطون بين التمرد المسلح والتفاوض سياسياً بضغط خارجي وأممي وإنساني والعمل على كسب المعارضة الداخلية والحركات المسلحة لإضعاف الحكومة بهدف إسقاطها. أخي القارئ الكريم، لا أعتقد أن عبد العزيز الحلو وعقار وعرمان يهمهم ما يحدث ميدانياً لأبناء جنوب كردفان والنيل الأزرق من قتل ونهب وجوع ومرض وعدم تنمية طالما أن ذلك يعطيهم الأمل في تحقيق أجندتهم السياسية. المسألة ليست مسألة تنمية أو تهميش أو تخلُّف إذ أن التنمية انتظمت هذه المناطق أكثر من غيرها وأن الفرد أصبح مكان اهتمام ورعاية لم يجدها من قبل وأن المشاركة في الحكم وإدارة شؤون الولاية متاحة في كل المستويات السياسية والتشريعية والتنفيذية. إذن المسألة ليست ذلك بل هي أجندة سياسية بعيدة كل البعد عن أشواق أولئك المواطنين الذين يتمسكون بأرضهم ويدافعون عنها. الذين يتحدثون عن الجلوس للتفاوض مع هذه المجموعة، نسألهم عن أي شيء يتم التفاوض وما هي محاور التفاوض وأجندته وماذا يريد هؤلاء الإخوة؟ ٭ عبد العزيز الحلو توفّرت له كل فرص المشاركة في الحكم وهذا معلوم، دخل الانتخابات بهدف محدد «النجمة أو الهجمة» وعندما سقطت النجمة قام بالهجمة بالرغم من العرض الذي قدّمه له بسخاء نائباً للوالي ومشاركاً في الأجهزة السياسية والتشريعية والتنفيذية إذن ماذا يريد؟؟ ٭ مالك عقار في ولاية النيل الأزرق التي تبوأ منصب ولايتها ويعلم أنه وصل إليه تنازلاً من المؤتمر الوطني، فات الكبار والقدرو سلطةً وتصرفاً في المال والحكم حتى ظن أنه مساوياً لرئيس الجمهورية كما قال: (الكتوف تلاحقت) وعندما وجد أن الأمر لن يدوم هكذا خاصة بعد رفض اتفاق نافع لحق بعبد العزيز الحلو لتحقيق مشروع السودان الجديد عن طريق السيطرة على أقاليمهم بقوة السلاح بدعم جنوبي وفرض الأمر الواقع على السودان. إذن على أي شيء يتم التفاوض معه؟؟ ٭ ياسر عرمان كان يعلم كل ذلك، وكان مباركاً له بل كان جزءاً من المخطط وعرّابه، فالرجل أصبح تائهاً بعد انفصال الجنوب وتأكّد له أنه لن يكون مرغوباً فيه جنوباً ولا شمالاً فأصبح يبحث عن موقع له في الساحة السياسية بعد أن أصبح ظهره مكشوفاً داخلياً وخارجياً. فماذا يريد هذا الرجل تفاوضاً؟؟ ونقول لأولي الأمر إذا كان في إمكانكم القبول بنظام علماني والتنازل عن الشريعة وتبديل الهوية والعقيدة فاذهبوا للتفاوض معهم فإنهم لا يقبلون تفاوضاً لا تكون تلك أجندته ولن يتخلوا عن مشروع السودان الجديد، إنه مشروع أمريكي المنشأ وجهوا بتنفيذه مهما كان الثمن!!