لايخلو مجلس فرح، أو فرح سوداني من تناول عادة ذميمة ابتلى بها قمة من المثقفين، وهى الحقد والغيرة، وكثيراً ما يستجيب الناس في مجالسهم بمقولة عالمنا الجليل د. عبد الله الطيب مفادها أن السودان دخلته «14» قبيلة عربية منها «9» مشهورات بالحسد. وطالع الصحف السودانية عبر الشبكة العنكبوتية وهي الاخرى مضيئة بما تعارف عليه صحفياً «الملاسنات» وهو في رأيي المتواضع تصب في خانة الغيرة والحقد المهني (professional jealousy) ويمكنك بسهولة أن تستشف من هو الحاسد ومن هو المحسود، فالثاني أكثر بهاء ونجابة وذكاء وجسارة وشطارة لأنه صاحب حق ما جلب عليه الغيرة وحسد الأول وإن كان في الحسد والغيرة فائدة، فهي تدفع بالمحسود إلى قمة الإبداع والتألق وتفجر كوامن مواهبه النائمة، وبذلك تصب على النار التي يكتوي بها الحاسد. لا يختلف اثنان في موهبة وجسارة فناننا الكبير الأستاذ كمال ترباس فما زادته السنين إلا تألقاً وألقاً ونضارة، وصديقي كمال ترباس يقول لحساده وعزاله «أنا زي البيبسي، البحبني بهضم ليه، والبكرهني بطلع بنخريهو» وذكرني ذلك بالشخص الذي أصر على أصحابه أن يعلموه الشراب وسبقهم إلى مجلسهم وهو في عجلة من أمره فأخذ زجاجة البيبسي وشربها بسرعة حتى خرجت بأنفه، فقال لأصحابه «أنا سحسحته ودوني البيت». بدأت حياتي راعيا للأغنام ورغم تواضع تعليم والدي كان جل حلمه وجهده وكده وعرقه أن أتعلم، وقد كان له ما أراد ورثت منه الصبر والمثابرة والعفة والكرامة والأمانة ونكران الذات والتواضع واحترام الآخرين، وصلت إلى ما وصلت إليه قابضاً على الجمر وصابراً ومثابراً، تنقلت بين خمس مدارس إبتدائية نسبة لعمل الوالد، انتقلت إلى مدرسة المناقل الأميرية نمره(واحد وأربعين من ثمانمائة) تنافسوا في دخولها، ثم مدرسة حنتوب الثانوية وكان يتنافس في دخولها كل السودان، ثم جامعة الخرطوم وكانت في عهدنا الجميلة ومستحيلة، وكأني بها تحولت إلى الحنينة السكرة، بعد تفعيل سياسة القبول الخاص دخلنا «700» طالب إلى كلية العلوم، تنافسنا في دخول كلية الطب وهى الأوحد في السودان وقتها، دخلتها من بابها وليس من شباكها كما يفعل أبناء الأعيان، طفت بعدها أرجاء المعمورة لأنهل من علم وتجارب الشعوب التي سبقتنا في مجال الطب «السويد، السعودية، هولندا، فرنسا، جمهورية ايرلندا» ليستقر بي المقام في المملكة المتحدة طيلة الواحد وعشرين سنة الماضية، اخترت تخصصاً دقيقاً هو زراعة الأعضاء بعد تخصصي في الجراحة العامة، حضرت من الغربة لأرد الدين لمن دفعوا فاتورة تعليمي خدمة للبسطاء من أهلي، انفجرت علي أبواب الغيرة والحسد المهني، من قلة هم دونك ذكاء وعلماً وتجربة لأنها طبيعة الأقزام، يطلبون الثمار حتى يراهم الآخرون، هم أشبه بالبعوض والذباب يحومون حولك ولا ينالوا منك شيئاً. تذكرت زميلنا د. عبد القادر، وكنا أطباء امتياز بميز مستشفى أمدرمان، فقال«بعوض الميز ترشو بالبف باف، تدعكو بأباطا وترفع الناموسية وتجي داخله» وما أشبه هؤلاء الأقزام ببعوض أمدرمان،تخصص أحد هؤلاء في شيء، ويمارس شيئاً آخر، في وطن متسامح، تميز عن غيره بإصراره على التمادي في الحقد والحسد ذكرني بأستاذي في المدرسة الثانوية العامة، كنا نسميه مستر تك «القراد» يختار ضحيته بلا مبرر ويجلده لأتفه الأسباب، كان شيخ الأدباء حبيبنا الطيب صالح يقول «عندما يتطاول البعض عليه حسداً وغيرة من خلال الانترنت «يا دكتور ديل عايزين يقشروا بيك»، وقد يخص واحد منهم بعبارته المشهورة «مقطوع الطاري»، وكثيراً ما يفخر الطيب صالح بتواضع العلماء بعبارة أنه تربال ابن تربال. ومقطوع الطاري في لغة أهلنا الترابلة هو الشخص عديم الفائدة لنفسه ولغيره، ولا يذكره الناس لهذا يفرض نفسه على الناس حسداً وغيرة. وكنت أقول للطيب صالح ولا أدعي قيمته وقامته «أنا غايتو البقشر بي زي اللابس ساكوبيس» لن يستر عورته. ولأجيالنا التي لا تعرف الساكوبيس، هو أشبه بالشفون أو الحرير هذه الأيام وقد سئلت إحداهن «بتعرفي الفيتريتة؟ فأجابت: مش أتقل من الدمورية شوية». أقول قولي هذا، واستغفر الله في كلمة الأنا. ولقرائي الأعزاء عذري، وأرجو معذرة إن دخلت في محيط الخيلاء والإعجاب بالذات، ولكن هذه هي اللغة التي تنفذ إلى عقول هذه الشريحة خاوية العقول من الناس. وأدعو لهم بالشفاء، وأن يرد الله غربة عقولهم .