من حق أهل المدن والأرياف أن يعبروا عن انتمائهم وولائهم لمراتع الطفولة والصبا وساحات المدارس وملاعب الأحياء وأن يتطلع الجميع لمشاهدة أوطانهم الصغيرة وقد غمرها التطور والتقدم وصديقنا معتصم الخير كرجة كتب بوفاء لمدينته الدامر في عدد الأحد 28 أكتوبر 2012م بصحيفة الإنتباهة الغراء في هذا المنحى ولكنه استعمل مفردة نصها «مشروع تدمير عاصمة نهر النيل الدامر وهو اتجاه سار فيه العديد من محبي الدامر وجنح بعضهم مثل الذي كتب قبل أربع سنوات في صحيفة آخر لحظة تحت عنوان «أنقذوا الدامر من غول اسمه عطبرة» وأود أن أعقِّب على ما كتبه الأستاذ معتصم كرجة بمقاله المشار إليه. مدينة الدامر مدينة القرآن وبعض الأولياء الصالحين والمفكرين المرموقين تحولت إلى عاصمة للمديرية الشمالية بعد أن ظلت مدينة بربر العريقة هي عاصمة بربر وكانت مراكز المأموريات هي أبو حمد، بربر، الدامر وشندي وظلت بربر هي المركز التجاري الأكبر وطريق بربر سواكن هو طريق القوافل التجارية وأرتال الحجيج إلى الأراضي المقدسة وكانت بربر في عهد مملكة سنار «1505 1820» هي كرسي مملكة الميرفاب وسُلمت لإسماعيل باشا فاتح السودان بلا قتال وزادت شهرتها بعد الفتح المصري حتى فاقت شهرة شندي وأخذت مركزها في التجارة فصارت ترد إليها البضائع من مصر والحجاز والهند عن طريق النيل والبحر الأحمر، ومن أشهر طرقها التجارية طريق إلى أسوان وطريق إلى كرسكو وطريق إلى سواكن وطريق إلى مصوع ووقعت بربر في يد الدراويش سنة 1884م فخربوها ولما عادت الحكومة إليها بعد الفتح الإنجليزي 1897م شهدت بربر أول مدرسة من المدارس الخمس على نطاق السودان وأول مكتب بريد وظلت هي مقر المديرية.. وفي بحثي عن إنشاء مسجد السكة الحديد العتيق عام «1911م» وجدت إعلامًا شرعياً بيدي صادر من مديرية بربر ولما قرر الإنجليز تحويل عاصمة السكة الحديد من وادي حلفا إلى عطبرة عام 1905م حينما بدأ العمران في العاصمة الجديدة بدأوا يفاضلون هل تكون العاصمة بربر أم غيرها فتم استبدال العاصمة في عشرينيات القرن الماضي إلى الدامر وحتى في العهد القريب وتحديدًا في أوائل التسعينيات أُعيدت المديرية إلى بربر في عهد السادة/ بدوي الخير وعبد السميع حيدر ثم جاء تعديل لقانون الحكم المحلي فأقيمت محافظة الدامر وكانت عاصمتها عطبرة فهل يرى الأخ كرجة عجبًا في ذلك ولم يحتج أهل عطبرة أن تعلق لافتة في بلديتهم تعلن محافظة الدامر في بلدية عطبرة خلاف ما حدث يا أخ كرجة عندما حطم بعض مواطني الدامر لافتة ما سمي بجامعة عطبرة في مدينة الدامر ومثلما نصبوا لافتة كبرى عليها اسم كبري الدامر وهو في الحقيقة وفي مستندات القروض ووزارة المالية اسمه كبرى العكد أم الطيور ولم يستغرب أو يستنكر أهل عطبرة أن يكون في مينائها البري أحد السفريات تحمل اسم سفريات الدامر ويستكثر الأخ كرجة أن يحمل اسم عطبرة على أكياس أسمنت لمصنع اسمه أسمنت عطبرة تسجل بهذا الاسم وعُرف عالميًا به. إن كل قوانين التخطيط في كل العالم تنص بجلاء أن تتمدد المدن على حساب الريف ليس ذلك في نهر النيل فأين خطط مطار الخرطوم الجديد وأين أقيم مصنع جياد وأذكر الأخ كرجة وهو يتحدث عن الحاجز المائي الطبيعي الذي حدد حدود محلية الدامر في متاخمة نهر النيل أليس غريبًا أن تتعدى المحليات والمدن هذا المفهوم فكيف تجاوزت محلية عطبرة الضفة الغربية لنهر النيل لتضم مناطق الفاضلاب وأم الطيور وسولا ولماذا سكت أبناء الدامر على هذا التقسيم وهل يعود ذلك لأنه لم تكن هناك مؤشرات وبوادر تنمية مثل مستشفى السلام التعليمي بأم الطيور وامتداد مصنع أسمنت عطبرة أم لأنكم كنتم تفكرون فقط في المثلث الذهبي. إن أوهام وادعاء التدمير لمحلية الدامر لا يسنده الواقع ولا تدعمه الشواهد فقد تمددت محلية الدامر جنوبًا حتى المحمية وكل تلك المساحات كانت تابعة لمجلس ريفي شندي وبالغرب كانت كل الأراضي حتى غرب عطبرة تابعة لريفي شندي وأن مستجدات وضرورات التطور والعمران والتخطيط أحدثت تحولاً كبيرًا بأن تحولت حركة السفن وشواهد التاريخ من سواكن لبورتسودان ورغم تاريخ مدينة كوستي وموقعها الإستراتيجي فقد استقر القرار على أن تكون مدينة ربك هي عاصمة النيل الأبيض رغم التاريخ الموغل في القدم لسنار والكوة والدويم. إن الذين يستقرون بين الدامروعطبرة يعلمون تماماً أن الإصلاحات والتأهيل الذي تم لمستشفى الدامر جعله أكثر تأهيلاً وإعدادًا من مستشفى عطبرة الذي تجاوز عمره المائة عام، ويجري العمل في مستشفى الشهيد عمر المجذوب البشير بالدامر، وقامت جمعيات نشطة بإنشاء مركز مامون كليب لطب العيون والعديد من أهل عطبرة يُجرون عمليات العيون فيه بينما صار في عطبرة طبيب واحد للعيون في حين كان بها خمسة أطباء، وأُقيم في الدامر أضخم أبراج المعلمين رغم أن أعداد المعلمين في محلية عطبرة هو الأكثر، وظل فندق المعلم يستقبل فرق الممتاز التي تأتي لتتبارى في عطبرة بينما تأخذ الدامر زبدة نجاح فرق عطبرة في الممتاز ولم يحتج عطبراوي واحد على ذلك، وشهدت محلية الدامر رصف الطرق وإنارتها وتشجيرها في وقت تعطل ذلك المشروع في محلية عطبرة لأكثر من خمسة أعوام ونصبت شارات المرور في طرق الدامر قبل عطبرة ونالت محلية الدامر معظم مال صندوق دعم المحليات وعائد رسوم الأسمنت رغم أن مصنع أسمنت عطبرة هو الأكثر نتاجاً والأكثر سداداً للرسوم ولم يحتج حتى نواب عطبرة في المجلس التشريعي وتتسارع الخطى الآن لتنفيذ سوق الدامر الجديد وسوق المواشي الجديد ولم يحتج أحد من المحليات الستة وحتى محلية الدامر «ذات نفسها لم يرفع أحد صوته من المحمية أو العالياب أو الزيداب بأن مناطقهم مهمشة أو مظلومة.أعود لأذكر الأستاذ كرجة أن معظم الخدمات المقدَّمة للمواطنين وحتى وقت قريب كانت تقوم بها السكة الحديد، والكهرباء، والمياه، والعلاج، والمطافئ، والترحيل، وإذا كان وجود إدارة الأشغال ومن بعد وزارة الشؤون الهندسية والتخطيط العمراني بعطبرة لارتباط أعمالها بالسكة الحديد والشؤون الصحية بعطبرة في وقت لم يكن في الدامر خدمات علاجية إلا مبادرة المحافظ الأسبق حسين محمد أحمد شرفي عام 1969م بإنشاء مستشفى الدامر ووجود مثل مستودعات البترول ومخازن السكر كان لضرورة النقل بالسكة الحديد من عطبرة، وإذا كان ما يؤلم الأخ كرجة وبعض الحادبين على مدينة الدامر وجود وزارات الصحة، والشؤون الهندسية، والثقافة والإعلام هو إنقاص من هيبة الدامر فإن الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إذا كانت ترى خلاف ذلك فلتذهب هذه الوزارات إلى حيث ينبغي وستنعم عطبرة بمقرات لمستشفيات متخصصة في الأطفال والنساء والصدر والكلى وخلافها. إن الادعاء بمساعي تدمير الدامر ادعاءات باطلة لا يسندها الواقع ولا تدعمها الشواهد والواقع وفي تقديري هي لمزيد من الضغوط على والي نهر النيل وحكومته، فالوالي بحمد الله لا يحتاج لذلك وليس مقصرًا في حق حاضرة الولاية ويعلم أنه يوظف كل صندوق دعم المحليات لذلك، وإذا كان العمران هو مطلب المخلصين في الدامر فلنا أن نتساءل لماذا بيع قصر الضيافة بالدامر مثلما بيع مجمع البجراوية الثقافي عطبرة؟ إن الرأي عندي يا أخ كرجة ولكي تستبين الحقائق وتتحدث الأرقام أن نطلب من السيد/ وزير المالية بالولاية والوالي المحترم أن يعرض أرقام ما استلمته المحليات الست، وفيما بعد محلية البحيرة خلال عشرة أعوام من أموال التنمية وصندوق دعم المحليات وليحدثنا الوزير الكريم لماذا رفض مجلس الولاية التشريعي حسابات صندوق دعم الولايات ثم مورست عليه الضغوط ليقبلها فيما بعد. كذلك نطلب من السيد/ وزير الشؤون الهندسية إجابة واضحة حول ما نصَّت عليه القوانين بأن المدن تتمدد على حساب الريف وإلا فكيف المخرج لمحلية مثل عطبرة لا يتوفر داخل حدودها حتى مكبات للنفايات؟ ونسأل أيضًا هل ترسيم الحدود يخضع للعواطف والحنين أم ما تقتضيه ضرورات التنمية والعمران وهل الذي جعل حدود محلية الدامر تتمدد حتى المحمية بعد أن كانت هذه المساحة تابعة لريفي شندي يمنع محلية عطبرة أن تتمدد في الاتجاه المنطقي لذات الضرورة.. وهل يحق للتشريعيين والتنفيذيين منع استغلال الأراضي للصالح العام حفاظًا على أوضاعهم السياسية؟ إن رأينا أيضًا يا أخ كرجة أن هذه الحرب الكلامية الخاسرة التي تلوح مقدماتها دائمًا ولا تستفيد منها أيٌّ من المدينتين لن تخدم أحدًا ومن الخير للجميع أن يتجهوا لدعم وبناء مدنهم ويتجهوا سويًا للمركز لتقديم دراساتهم العلمية لتنفيذ ما تحتاج إليه الولاية حقيقة وعلى رأسها مشكلات المياه بكل تفاصيلها والمشكلات الصحية التي أفرزت واقعًا مأساويًا تفشت من خلاله أمراض السرطان والفشل الكلوي والدرن والإسهالات وسوء التغذية وكذلك الموقف المتواضع لكل كليات جامعتي شندي ووادي النيل والتراجع المستمر في التعليم العام وحالة الفقر والبطالة التي تضرب جميع أركان الولاية والأشخاص غير المؤهلين الذين يتولون سدة الإدارة في معظم مصادر القرار وأراضي الاستثمار التي تُمنح للأجانب مجانًا ويزداد سعرها باستمرار لأهل البلد.