«ما عاوزة بنت لابسة نقاب في المدرسة» «شوفي ليك مدرسة غير المدرسة دي» «بنقابك ده أستاذ فلان كره المدرسة وطالب النقل منها» «ما تحضري ولا تقيفي في الطابور لأنك منقبة».. وغير ذلك!! أرجو ألا يظن من يقرأ هذه العبارات وما يشبهها أن القائلة هي مديرة مدرسة في فرنسا !! فإن فرنسا وإن كان حالها كحال غيرها من كثير من الدول الغربية التي رفعت شعار «الديمقراطية» ثم أعلنت بأعمالها فشلها في تطبيق «أبجديات» الديمقراطية التي يدّعونها !! فلم تحتكم لمبادئ الديمقراطية في بعض الجوانب، ومن ذلك أنها تدخلت في ما تلبسه «المواطنة» الفرنسية ومنعت لبس النقاب عليهن.. في ذات الوقت الذي يستقبل فيه وزير خارجيتها الصحافية السودانية صاحبة قصة «البنطلون» الشهيرة ويقف بجانبها في مؤتمر لإدانة حكم قضائي صدر عن محكمة سودانية!! ولم يكن الحال الذي جاهرت به فرنسا في موقفها من لبس مواطنات البلد النقاب هو الحال في سويسرا التي يبدو أنها قد استفادت من موقف فرنسا «البائس».. إذ صوّتت الغالبية في برلمانهم ضد منع النقاب. ولئن كانت سويسرا وكثير من دول الكفر لم يمنعوا النقاب، فماذا نقول في مديرة إحدى المدارس النموذجية بعاصمة بلادنا الخرطوم، تتوعّد وترهّب وتهدّد وتطلب من بعض طالبات مدرستها البحث عن مدرسة أخرى لأنها «لا تريد طالبة تلبس النقاب بمدرستها»؟! مدرسة في عاصمة دولة تظهر أنها تدين بشريعة الله ، وتصرّح وتخبر القاصي والداني أن حربها مع اليهود والنصارى بسبب تمسكها بمبادئ الدين الإسلامي وبسبب عدم الركوع والخضوع لغير الله.. وتنقل وسائل الإعلام الرسمية عن بعض خطبائها أننا في السودان لم يرض عنا أولئك الكفار والإسرائيليون لأننا جهرنا ب «لاءات» بلا إله إلا الله ، ولا ولاء لغير الله، ولا تبديل لشرع الله، ومن يصدق أن بلاداً هذا ما يقال في الخطاب العام والعلني فيها من الولاء للدين والاعتزاز به، ثم لا تأمن في ذات البلاد طالبة في الخامسة عشرة من عمرها من إنكار مديرة مدرستها للبسها النقاب، وتتم محاصرتها والتضييق عليها لأجل ترك المدرسة، بل وأمرها الصريح بالبحث عن مدرسة أخرى غير المدرسة التي وُضعت فيها تلك المديرة لتديرها على الطريقة الفرنسية في هذا الجانب!! ولا ينفع معها إصرار الطالبة وقناعتها، ولا حضور والدتها إلى المدرسة. وفي الوقت الذي يعاني فيه كثير من المسؤولين وبعض الجهات المختصة وكثير من أولياء الأمور والعلماء والدعاة والمصلحون في بلادنا من تردي الأحوال وسيرها للأسوأ في جوانب تتعلق بالحياء واللبس وبعض المظاهر والتصرفات من كثير من الفتيات، حيث امتلأت الشوارع بالمتبرجات ولابسات الضيق من الثياب، وسُمِع بأنواع من اللبسات الدخيلة على المجتمع، حتى أصبح لبعضها مصطلحات مشهورة مثل «فصل الدين عن الدولة» !!! وغير ذلك... مما يسمع مما زينته الشياطين الجنيّة والإنسيّة لكثير من الغافلات وصاحبات التقليد الأعمى، في غفلة من بعض جهات الاختصاص التي تقع عليها المسؤولية العظيمة في مراقبة ما يدخل البلاد من الملبوسات .. وفي الوقت الذي تنتشر فيه الفواحش ويكثر فيه اللقطاء وتتزايد أعدادهم، ويتم توزيع «الواقي الذكري» في بعض دور التعليم، وفي وقت تنتشر فيه العلاقات الخبيثة المحرّمة ويوجد ما سمي «الزواج العرفي» وتنشر بعض الجهات المختصة أعداداً لمن وقعوا فيه، فانتهكت به الأعراض ووقعت المصائب العظيمة والبليات!! حتى أجريت دراسات في هذه الظاهرة، وفي الوقت الذي يخسر فيه المجتمع أموراً هي أعز ما يملك منها الدين والعفة والحياء والخوف من الله والطهر وسلامة الأعراض، نجد في ذات الوقت من يضيّق على من أرادت وأراد لها أهلها الستر والعفاف امتثالاً لأمر الله الخالق سبحانه وتعالى. ألم تقرأ هذه المديرة القرآن الكريم ؟! لتجد في كتاب الله قوله سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا». وقد ساق ابن جرير الطبري وغيره بسند صحيح عن حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنه قال في تفسير هذه الآية: «أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عيناً واحدة». ألم تعلم هذه المديرة أن الله تعالى قال في كتابه الكريم: «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»؟! وقد ساق الإمام البخاري في صحيحه في باب «وليضربن بخمرهن على جيوبهن» بسنده عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل، لما أنزل الله «وليضربن بخمرهن على جيوبهن» شققن مروطهن فاختمرن بها». وفي رواية قالت رضي الله عنها: «لما نزلت هذه الآية «وليضربن بخمرهن على جيوبهن» أخذن أُزُرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها». قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرحه لهذا الحديث في فتح الباري: «قوله فاختمرن أي غطين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنع». ولمزيد بيان فإن تغطية الوجه هذا هو حالها في بلاد المسلمين: قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري شرح صحيح البخاري: «إن العمل استمر على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال». وقال ابن تيمية رحمه الله: «كانت نساء المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحرة تحتجب، والأَمَة تبرز» أي أن الحرة تغطي وجهها والأمة لا تغطيه. وقال ابن رسلان: «اتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات» . وقال أبو حامد الغزالي: «لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات». إن الواجب ويتأكد هذا الواجب في زماننا، أن تُشجع الطالبات اللائي يحرصن ويحرص أولياء أمورهن على اللبس الساتر والذي هو من مظاهر الحياء والعفة، وأن يأخذن مكانهن من التقدير حتى تقتدي بهن زميلاتهن، لا أن يضيق عليهن ويصبحن موضع اشمئزاز وسخرية وانتقاص، ويمنعن من بعض ما تفعله زميلاتهن كحضور الاصطفاف الصباحي، وغير ذلك مما فعلت تلك المديرة التي أعلم عن قصتها مع الطالبات المنتقبات من أشهر عديدة، ولم أضع القلم لأكتب في هذا الأمر إلا بعد أن تأكّدت من أن مرور الأيام رغم طول المدة لم يغير من موقفها شيئاً في ذلك. وإن كان هذا الموقف المؤسف من هذه المديرة لا يعتبر ظاهرة، فإن في البلاد نماذج كثيرة يفخر بها من قيام كثير من المديرات بإدارة مدارسهن وفق ما تتضمنه مسؤولياتهن ويأمر به دينهن فهن بحق خير قدوات، ولئن كانت حكاية هذا الموقف من الأمور المحزنة، فإن في مجتمعنا الكثير المفرح، ومن النماذج الموفقة أن مدير إحدى الجامعات سطر له موقف رائع عندما وقف في وجه أستاذ طلب من بعض الطالبات كشف وجوههن واشترط عليهن ذلك لحضور محاضراته، فأحسن ذلك المدير تصرفه وجعل من ذلك الأستاذ عبرة لكل من سمع بالقصة. أضع هذه الحالة أمام نظر الجهات المختصة في التعليم العام.. ثم ألفت بهذه المناسبة نظر البروفيسور الفاضل سعادة وزير التعليم العالي خميس كندة كجو، وقد سمع القاصي والداني عنه ما يسر ويفرح أصحاب الغيرة والحريصين على العفاف والحياء والاستقامة على أوامر الشرع والوقوف عند حدوده، ألفت انتباهه إلى أننا سمعنا أن كلية معينة معروفة قد وضعت في شروط القبول لديها وتعلن ذلك على الملأ، أنها لا تقبل المنتقبات!! فنرجو من سعادته أن يتنبه للأمر، وأسأل الله أن يعين كل من تحمَّل مسؤولية للقيام بها كما يجب، والموفق من وفقه الله.