لم تكن الحركة الإسلامية السودانية في يوم من الأيام أكثر عجزاً وأكثر تخبطاً مما هي عليه الآن.. فبعد أن كانت مثار إعجاب الدنيا.. وبعد أن كانت أو أوشكت أن تكون أنشودة يتغنى بها الذين يحلمون بعالم خالٍ من الظلم.. والفقر.. والكذب ها هي اليوم عادت تثير الدهشة والاستغراب والحيرة إن لم أقل الشفقة أو الحزن أو الاشمئزاز. فبعد ربع قرن من التخبط والأخطاء والفشل تقف الحركة الإسلامية اليوم في حيرة.. وفي ذهول وفي انكسار عجيب.. تبحث عن حليف إستراتيجي. وهي إذ تفعل ذلك لا تجد أمامها إلا أسماء مثل إيران.. والصين.. وروسيا. وهل هناك أكثر تعاسة من حركة إسلامية رائدة قادت خطى العالم في يوم من الأيام إلى التعرف على معنى الإسلام السياسي.. وهي اليوم تبحث عن حليف إستراتيجي.. فلا تجد إلا إيرانوروسيا والصين.. ولا أستبعد أن يكون هناك من رشح مصر أو السعودية ولكن هناك للحلف الإستراتيجي نظرية واجبة التطبيق.. وإذا عرضنا محاولات الحركة الإسلامية في البحث عن الحليف الإستراتيجي على النظرية نجد خللاً كبيراً في التطبيق.. والخلل في التطبيق لا يصدر إلا من خلل في التصور.. وخلل في الفهم والإدراك.. أو من خلل في الوجدان. وهذا الخلل وإن كان خلل الدولة وخلل التنظيم السياسي المؤتمر الوطني فإن المسؤول الأول والأخير عنه هو الحركة الإسلامية رغم أن هناك في الدولة والتنظيم السياسي من يرفضون أن تحشر الحركة الإسلامية أنفها في الشأن السياسي.. ويريدونها حركة صوفية لا تخرج عن دائرة الذكر والأوراد والنوبات.. ومن المؤسف أن الذين يطلبون ذلك ويصرحون به هم من المحسوبين على الحركة الإسلامية وأنهم أبناؤها ورموزها في الدولة والتنظيم السياسي من هنا جاء الخلل في التطبيق.. وهؤلاء ينسون أنه مر على السودان زمان كانت الحركة الإسلامية ولم تكن الإنقاذ.. وكانت الحركة الإسلامية ولم يكن المؤتمر الوطني.. إن هذا الخلل في التصور يتبعه خلل في الفهم وخلل في الوجدان.. وأخشى ما أخشاه أن يتبع ذلك خلل في الاعتقاد. وكيف لا يُتهم بخلل في الاعتقاد من يقول إنه لا يؤمن بأن المرأة ناقصة عقل ودين بل هو يقصد في التنظيم السياسي لا يؤمن إلا بأن المرأة كاملة عقل ودين!! في مناهضة واضحة وصريحة للحديث الصحيح في البخاري.. والسؤال المهم الآن هو: هل تعي الحركة الإسلامية ما هو مفهوم الحلف الإستراتيجي الذي خرجت تبحث عنه في خريف العمر وفي سنوات الشيخوخة؟ دعونا لا نغرق في دوامة التفريق بين الإستراتيجي في اللغة والمصطلح.. دعونا ننفُذ إلى أن تعريف الحليف الإستراتيجي أو وصفه هو أنه النصير في السراء والضراء.. في الشدة والرخاء وهو الحليف الذي لا غنى لك عنه.. ولا غني له عنك ويبدو جلياً من الأسماء المعروضة في الواجهات الترويجية أن مفهوم الإستراتيجية مشوَّش وضبابي في أذهان قادة الحركة الإسلامية وقادة الإنقاذ.. فأي هذه الدول الثلاث هو الأقرب والأصلح لأن يكون حليفاً إستراتيجياً للسودان؟! إن الموقف الإيراني من النظام السوري وليس من الشعب السوري هو الأقرب لمفهوم الحلف الإستراتيجي. إن الحلف بين روسيا والصين من جهة وسوريا من جهة لا يمكن أن يكون حلفاً إستراتيجياً إلا إذا كان متعلقاً بالأمن القومي للدولتين.. أما فيما عدا ذلك فهو لا يزيد على كونه حلف مصالح ومنافع ومنافذ. إن الحلف الإستراتيجي لا يقوم على المصالح ولا المنافع ولا المنافذ.. إن الحلف الإستراتيجي متعلق بوجود الحليفين.. وجودهما المادي والمعنوي.. كلاهما يحمي وجود الآخر.. بهذه النظرية التحليلية فإن الصين لا تصلح لأن تكون حليفاً إستراتيجياً للسودان.. وكذلك روسيا والسؤال الآن: هل تصلح إيران لهذا الدور؟ إن إيران تصلح لأن تكون حليفاً إستراتيجياً لنظام بشار الأسد. ولا تصلح لأن تكون حليفاً إستراتيجياً للشعب السوري.. بل هي في واقع الأمر تمثل الآن عدواً إستراتيجياً للشعب السوري.. بينما الصين وروسيا يمثلان عدواً مرحلياً للشعب السوري. بالنسبة للسودان فإن النظرة التحليلية تقول إن إيران لا تصلح لأن تكون حليفاً إستراتيجياً لنظام الإنقاذ وهي قطعاً لا تصلح لأن تكن حليفاً إستراتيجياً لشعب السودان!! أولاً لأن النظام في السودان منقسم على نفسه حول العلاقة مع إيران.. هذه حقيقة. والسبب الثاني هو أن الشعب السوداني هو الذي يجب عليه أن يدفع الثمن ويسدِّد فاتورة العلاقة الإستراتيجية بين إيران والإنقاذ.. أو بين إيران والسودان!! إن المشاركة في صناعة بعض الأسلحة التقليدية أو المتطورة ليست كافية لأن يجعل العلاقة بين الشريكين إستراتيجية.. ورغم العلاقة الإستراتيجية بين الإنقاذ وإيران فإن ضرب مصنع اليرموك جعل الباب مفتوحاً على مصراعيه للتكهنات والإشاعات.. ولا شك عندي أن الحقيقة موجودة وسط هذه الشائعات.. بل هي واحدة منها عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.. إن سقوط نظام بشار وهو وشيك يقلب الموازين والمواقف بين إيران وسوريا من الحليف الإستراتيجي إلى العدو الإستراتيجي.. بينما تبقى العلاقات مع الصين وروسيا مهما شابها من الفتور أو التجميد!! فإذا قارنا بين علاقة السودان بمصر وعلاقته بجنوب السودان.. فلسوف تكون الصدمة أكبر مما نتصور وأكبر مما نحتمل.. إن السودان متحمس ومندفع فيما يتعلق باتفاقية الحريات الأربع مع الجنوب.. ولا يبدو منه نصف هذا الحماس لذات الاتفاقية مع مصر.. وذلك لأسباب لا يتسع المجال لذكرها.. ومع ذلك فإن الحلف الإستراتيجي مع مصر لا يحتاج إلى اتفاقية ولا إلى بروتكول. والأدهى والأمرّ أن الحماس والاندفاع يأتي من جانب واحد وهو جانب السودان.. وفي الجانب الآخر يصرح لوكا بيونق أن البشير غير مرحب به في جوبا!! تصوروا أن الرئيس يوقع اتفاقية الحريات الأربع مع الجنوب بذاك الحماس والاندفاع ويكون هو نفسه أول من يحرم من التمتع بزيارة جوبا ليوم واحد أو يومين!! إن الحلف الإستراتيجي ليس له ثمن.. وأيما حلف يدفع فيه أحد الشريكين ثمناً أو يسدِّد فاتورة فإنه إذاً ليس حلفاً إستراتيجياً.. إنه مجرد حلف.. حلف مصالح ومنافع ومنافذ. والحلف الذي يُراد له أن يقوم بين السودان وإيران حلف له ثمن وله فاتورة.. والسودان هو الذي يدفع الثمن ويسدِّد الفاتورة. والمدهش أن العلاقة بين السودان وجنوب السودان مجرد العلاقة لها ثمن.. ولها فاتورة.. والسودان هو الذي يدفع وهو الذي يسدِّد. وأصدق مثال لهذه العلاقة هو ما بين السودان وليبيا.. لقد كان تدخل السودان في الربيع الليبي من باب الحلف الإستراتيجي «رغم أنه غير معلن» بين الشعبين الليبي والسوداني.. ولا أحد طالب الشعب الليبي ولا الحكومة.