قضية التركة ومصير الأموال والممتلكات التي يخلِّفها المرحوم بعد الوفاة من القضايا التي تثير جدلاً كبيرًا وخلافات في بعض الأسر أو معظم الأسر العائلية خاصة عندما يكون الإرث كبيرًا فكم من أسر عصفت قضايا التركة فيها بصلة الرحم ووصل الأمر إلى المحاكم الشرعية على الرغم من أن الله عز وجل ذكر في كتابه هذه القضية بكل تفاصيلها «حقوق الورثة وكيفية تقسيم الموروث وغير ذلك».. فإلى أين وصلت قضايا التّركة في السودان؟ وكيف يتم التعامل في التركة عبر الشرع أم العرف؟ ولماذا تظل قضايا التركة سنين في أضابير المحاكم؟ عبر تلك المساحة حاولنا الإجابة عن بعض التساؤلات من خلال التجوال في بعض الولايات ومعرفة الرأي القانوني.. قانون العيب ** قانون العيب هو قانون عرفي سائد في ولايات دارفور ينتقد كل أنواع الحريات للمطالبة بالحق الشرعي في الورثة وهو يقف حائلاً بين الكثير من الوارثين من الرجال والنساء في غرب السودان دون المطالبة بتوزيع التركة، هذا ما أفادنا به مراسلنا مالك دهب في دارفور، حيث أوضح أن أبناء المرحوم وورثته يرفضون المطالبة بتوزيع التركة تحرجًا من أخذ مال الميت، والعرف السائد هو بقاء التركة سنين دون توزيع، أما الأراضي الزراعية فهي لا تقسم ويقوم أحد أفراد الأسرة بزراعتها وقد تظل في حوزته إلى حين وفاته مشيرًا إلى أن القضايا التي تصل إلى المحاكم بسيطة تُحصى على أصابع اليد، وقال: من أشهر القضايا التي وصلت إلى يده إعلام شرعي لتركة منذ عام 1964 وقد توفي وَرَثَة الوَرَثَة أنفسهم، وقال إنه لا توجد خلافات كثيرة خاصة في توريث المرأة، ففي الغالب تتنازل طوعًا لشقيقها أو تختار من تفضل تقسيم تركتها معه، وكل ذلك تحت إشراف خبراء في مجال توزيع التركات. العرف سيد الموقف ** ولاية نهر النيل لم تحلِّق بعيدًا عن دارفور حيث يؤكد العمدة حاج علي صالح أن العرف هو السائد في توزيع التركة فقد يجلس الورثة بصحبة أهل العلم والدراية ويتفقون على حصة كل فرد دون اختلافات أو منازعات وتفضل المرأة في الغالب التنازل عن نصيبها لأشقائها الذين يتكفلون بكل واجباتها ونادرًا ما يلجأ الناس إلى المحاكم الشرعية مبينًا أن العرف لا يخلو من الأنصبة الشرعية مضيفًا أن القضايا التي تصل إلى المحاكم غالبًا ما تكون حول الأراضي، ويضيف العمدة أنه في كثير من الأحيان يصعب على المحكمة الشرعية توزيع الأنصبة الشرعية للورثة في حال اللجوء إليها لأن الورثة لا يوزعون التركة قبل مرور سنين عليها، وقد يُتوفى الورثة أنفسهم وتظل التركة حتى أبناء الأبناء معلقة دون تقسيم. ** ويجزم بامنت مراسل «الإنتباهة» بالشرق أنه حتى وقت قريب لم تكن قبائل الشرق خاصة «البني عامر والهدندوة» تُدخل المرأة في الميراث خاصة في العقارات والأراضي وكانت تورث فقط مستلزمات والدتها كالمصوغات الذهبية والماشية وغيرها، ولكن بعد دخول التعليم تغيَّرت بعض المفاهيم وأصبحت تشارك في الميراث وفق الشرع. ** فيما أكد الحاج كمال إدريس من ولاية الجزيرة أن المجتمعات هناك لا تختلف كثيرًا عن بقية الولايات، وقال: في الغالب يلجأ الناس في أمر التركة إلى شيوخ القبائل وأعيان الأسرة، وفي حال وجود زوجتين فقد يلجأ الورثة إلى المحكمة خوفًا من إثارة المشكلات بين الأبناء كذلك يلجأ الناس للمحكمة في الأراضي المسجَّلة، ويضيف أن الحواشات في الأصل تتبع لمشروع الجزيرة لذلك لا تدخل في الورثة بل يقوم الأهل باختيار ابن المرحوم لاهتمامه بأمر الحواشة وإعاشة الأسرة والمرأة لا تورث الأراضي. رأي القانون المحامية نادية حسن حميدة عرّفت التركة بأنها توريث ميت لحي وفق الشرع وفي المحكمة يتم تقديم عريضة للقاضي بمثابة إعلان أولي به حصر للتركة وللوارثين ونقل التركة إلى أحد أفراد أسرته، ففي حال وفاة الزوج فإن الزوجة تأخذ الثُّمن وينطبق ذات الشيء على الزوج، كذلك تورث الأم والأب في ابنهم بأخذ السدس، وقالت إن هناك الضغط كبير على المحاكم فالجلسات تطول لسنوات وهذا الاتهام يوجَّه دائمًا للمحاكم لأن هناك تحريًا عن المتوفى في حال وجود عقارات بجانب أن أصحاب الوَرَثَة يختلفون في الأنصبة أو أن الوَرَثَة ظلت سنين دون توزيع مما يجعل الأمر به بعض صعوبة. وتؤكد أن عددًا كبيرًا من السودانيين لا يذهبون للمحاكم لأنهم ينظرون للقضية من باب العيب لذلك يميلون إلى ما يُسمَّى بقسمة «المهايئة» وهي نوع من التوريث يتم بموافقة كل الأطراف.. مشيرة إلى أن رسوم التسجيلات والمحاكم الباهظة تقف حجر عثرة أمام الورثة من الذهاب إلى المحاكم، وقالت نادية إن الرسوم التي تؤخذ من الورثة تُقدَّر على حسب المنطقة، فمثلاً رسوم عقارات في المنشية تختلف عن رسوم عقارات في الحاج يوسف، فالمحكمة تأخذ «3%» من قيمة العقار والضرائب ربع في المائة من قيمة الدعوى، كذلك إذا حدث تنازل من الورثة لشخص خارج الورثة فإن المحكمة تأخذ «3%» من قيمة التركة و«1%» لمن هو داخل الورثة، وهي عبارة عن رسوم تركات وهي تعجيزية إضافة إلى رسوم القضائية، وأقرَّت أن الرسوم المرتفعة تتسبَّب في ضياع حقوق الكثير من الورثة وتمنعهم من الذهاب إلى المحاكم.