حينما وجهت لي الدعوة لمرافقة وزير الزراعة الدكتور عبد الحليم المتعافي للوقوف على زراعة المحصول المثير للجدل إعلامياً القطن المحور وراثيًا المزروع في عدد من المشروعات ترددت كثيراً قبل قبول الدعوة، وفضلت ان اذهب وراء المثل القائل «من رأى ليس كمن سمع»، خاصة وانني سمعت كثيراً وكذلك قرأت عن هذا المحصول ولكنني لم اكن أراه حينما قدمت لي الدعوة،» فتوكلت على الله» وبدأت في اعداد نفسي لرحلة شاقة زرنا خلالها ثلاثة ولايات في ثمانٍ واربعين ساعة ولكن ما خفف عنا هذه الرحلة الطويلة هو فضولي لمعرفة الكثير عن هذا القطن الجديد ثم الرفقة الرائعة من الزملاء في عدد من الصحف. طحنية المزارعين لم يكن لعم ادريس المزارع البسيط في القسم الجنوبي لمشروع الجزيرة بالحاج عبد الله هم كبير سوى «قبض» بقية سلفياته لدى وزارة الزراعة، ولكن هذا الهم أُزيح قليلاً بعد ان اشفى المتعافي غليله بان وزارة الزراعة ستشتري منه وغيره من المزارعين محصوله لهذا الموسم وانها تخطط ان تجعل مازرع في الحاج عبد الله تقاوي للقطن المحور وراثياً في العام المقبل، فالمساحة المزروعة هناك تصل الى ألف ومائة فدان ويفوق انتاج الفدان فيها السبعة عشر قنطارًا وهو انتاج كبير جداً اذا ماقورن بانتاج الفدان بالقطن «القديم» الذي لا يتجاوز انتاج الفدان فيه الخمسة قنطارات، وربما من هذه النقطة كان الاهتمام الكبير من قبل وزارة الزراعة بهذا النوع من القطن، الا ان العم ادريس ظل يلح على المتعافي بضرورة سداد السلفيات وقال له العمال يحتاجون للمواد التموينية من رغيف وطحنية وغيرها من المستلزمات فداعبه الوزير «وعصيدة مافي، خلاص خليتوها» فضحك العم ادريس وقال له العمال عايزين طحنية. الحج بالقطن قبل ان يغادر وزير الزراعة حقول القطن في الحاج عبد الله بدا ممتنًا كثيراً للعلماء السودانيين الذين كانوا وراء زراعة هذا النوع من القطن في السودان وشكر المنسق القومي للقطن البروفسير احمد المصطفى التجاني والبروفسيور احمد التجاني والمركز الصيني للتقانة وابدى سعادة كبيرة بنجاح تجربة زراعة القطن المحور وراثياً كما سعد المزارعون به باعتبار ان اصحاب الحقول اكدوا نظافة القطن وبرشة واحدة استطاعوا مكافحة الدودة البيضاء التى تعمل على تساقط لوز القطن والعسلة مما يقلل التكلفة ويزيد الانتاج، وبدا وزير الزراعة منهمكًا تحت ظل «الصيوان» الذي نصب في احد الحقول بدا الوزير مشغولاً بجهاز «ايباد» وهو يشرح للمزارعين الانتاجية العالية للقطن المحور وراثياً وقلة تكلفته وقال د. المتعافي ان الهدف الأساس من هذه التجربة هو توطين القطن مؤكدًا ان العام المقبل ستزداد مساحات القطن في جميع بقاع السودان، واعتبر وزير الزراعة ان قسم الحاج عبد الله نموذجي، وقال للمزارعين: اذا زرعتوا العام المقبل في الاول من يونيو كل واحد حايبني افضل بناين وتزورون بيت الله حجاج وتزوجوا ابناءكم من عائد القطن. المطالبة بأب شرعي بذات حرارة وداع مزارعي الحاج عبد الله كان الاستقبال الرسمي من قبل حكومة ولاية سنار وبدا المهندس احمد عباس والي سنار متأهباً لاستقبال وزير الزراعة دكتور المتعافي عند نقطة العبور في مدينة سنار وكأنه يحضر لهذه الزيارة منذ وقت مبكر فحشد لها كل الوان الطيف الاقتصادي بالولاية، وبعد تناول وجبة الافطار مباشرة بدأ اجتماع مطول تحدث فيه الجميع بكل صراحة وشفافية ولكن اللافت للنظر في هذا الاجتماع كان حديث رئيس اتحاد المزارعين الذي ابدى تفاؤلاً كبيرًا بالقطن المحوَّر وراثياً ولكنه طالب بضرورة وجود اب لهذا القطن ليقف على رعايته حتى يصبح المحصول الاول في السودان فعلق من كان بجواري بالقاعة «عايزين ليه اب شرعي»، واكتفت ولاية سنار هذا الموسم من زراعة الف وتسعمائة الف فدان منها اكثر من ستة آلاف فدان زُرعت بالقطن المحور وراثياً، ولكن ما يهم المزارعين في ذلك الاجتماع انه ناقش توفير آليات زراعية لتسوية الارض عبر الليزر حيث التزم وزير الزراعة بتوفير ثلاثين آلية من هذا النوع، هذا الى جانب تمويل القطن وتوفير التقاوي منذ وقت مبكر حتى يتم تعويض هذا الموسم، ومن اهم مخرجات هذا الاجتماع كان توفير شتول ودعمها خاصة بعد الاضرار الكبيرة التى واجهت الولاية في محلية الدندر حتى تتحول تلك البقاع الى مناطق انتاج، إضافة الى انشاء اول مجمع لصادر الموز خاصة وانها من الولايات الرائدة في المجال البستاني والزراعي بصفة عامة. الوقوع من الطيارة وركوب السيارة في التاسعة من صباح الاثنين كنا عند مدخل مدينة الدمازين وما ان التقينا بوالي النيل الأزرق اللواء الهادي بشرى حتى علق قائلاً «حينما قالوا لي د. المتعافي سيصل عند التاسعة والنصف قلت لهم سيصل قبل ذلك» وأضاف بشرى ان المتعافي رجل عملي «تقع بيه طيارة يقوم ويركب سيارة لإنجاز مهامه»، وبالرغم من الوصول المبكر لحاضرة الولاية الا ان التحرك لمشروع اقدي الزراعي كان متأخراً جداً وعانى فيه الوفد كثيراً لوعورة الطريق الذي يحتاج لعمل كبير حتى يصل انتاج تلك المناطق للأسواق، وبدأت المنطقة مخضرة من كل جوانبها التى زرعت قطناً وذرة وزهرة شمس وفول الصويا بمجهود كبير من الشركة العربية للزراعة بولاية النيل الأزرق والشركة البرازيلية التى لها عقود موقعة مع وزارة الزراعة، فكان الوقوف على حصاد الذرة الذي يبشر بانتاجية عالية هذا الموسم بعد استخدام حزم تقنية عالية تصل بانتاج الفدان الى خمسة عشر جوالاً، ووقف وزير الزراعة في احد حقول البرازيليين، وقال: هذا الموسم الثالث الذي نزرع فيه قطنًا محورًا وراثياً في اقدي بعد ان تأكدت لنا جودة التقاوي وكررنا التجربة في العام الماضي ولكن الظروف الأمنية اثرت في الانتاجية ولكن في هذا العام تمت زراعة سبعة عشر الف فدان، وتوقع وزير الزراعة ان تكون الانتاجية عالية جدًا هذا الموسم، وقال ان هذا القطن مقاوم للدودة وهناك نوع آخر منه مقاوم للحشائش وقريبًا جداً ستصبح كل هذه المنطقة بيضاء.واضاف د. المتعافي أن خطتهم أن يصلوا الى زراعة مائة الف فدان في خمس سنوات مشيرًا الى انهم في هذا العام زرعوا ثلاثين الف فدان في المشروع منها عشرة آلاف زهرة شمس ومثلها للذرة والسمسم ولكن التركيز هو لزراعة القطن المطري للاستفادة منه في الصادر الى جانب الاستفادة من المحاصيل الأخرى في الزيوت والأعلاف.