في المرتين اللتين استباحت فيهما امريكا واسرائيل على التوالي القانون الدولي فوق اجوائنا عبر اعتداء سافر على سيادة دولة عضو في الاممالمتحدة دون مبرر عجز المجتمع الدولي ان يسجل موقفًا اكثر اخلاقية في ادانته لما حدث بشكل صريح بدلاً من الصمت وغض الطرف والإدانة الهشة ولكن حجة البعض من المراقبين واصحاب القرار ان اسرائيل لم تعترف بارتكاب العملية العسكرية التي اجترحتها حتى تكون في محل الإدانة بالدليل القاطع وعليه ينعدم الدليل المادي لإدانة اسرائيل ولذلك عمدت القيادة العسكرية والسياسية في اسرائيل الى تزويق الحديث والمواربة ولم يعترف أي مسؤول اسرائيلي بحقيقة ماحدث.. وضح ذلك في همهمات القيادات العسكرية والسياسية الاسرائيلية اذ لم تُعط اجابة واضحة لوسائل الإعلام واكتفت بتصرحات متفق عليها كما ورد في حديث رئيس الهيئة الأمنية والسياسية في وزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد كوصف السودان بانه «دولة ارهابية خطيرة» وعبارة اهود باراك «ليس لي ما اقوله في هذا الشأن» صحيح ان الموقف الإسرائيلي فيه مخالفة واضحة لميثاق الاممالمتحدة فلا يمكن لمجرد الزعم بان دولة تأوي الارهاب من طرف واحد كفيل بشن هجوم عسكري دون موافقة الأممالمتحدة ومنصوص على ذلك في ميثاق المنظمة الدولية حتى لا تخضع محاربة الارهاب والضربات الاستباقية لتقديرات ومزاج دولة او طرف واحد وسمح المجتمع الدولي بصورة ضمنية وفي اطار الحرب على الارهاب استثناء بما يسمى بالقتل الانتقائي.. إذن دولة اسرائيل في عز «دغمستها» حول موضوع السودان تعرف انها عرضة للادانة والملاحقة القانونية بالطبع هنالك عقبات سياسية وقانونية وسايكلوجية قد تحول دون ذلك، فالسياسي يتمثل في الموقف الأمريكي الذي يحمي مؤخرة اسرائيل ظالمة او مظلومة والقانوني يتمثل في الحاجة الى دليل صريح على الجريمة حتى تراه منظمة الاممالمتحدة العمياء الصماء اما السايكلوجي وهو الادهى فهو احساسنا السالب بانه لا نحن في السودان ولا العرب في كل مكان بقادرين على مس شعرة من ذاك الكيان على صعد التحديات السياسية والاعلامية والقانونية وذلك هو مربط الفرس في الهزيمة المعنوية التي لا بد ان نقفز فوقها قبل ان تبرد حرارة ذلك الحدث وبمقدورنا ان نزعج اسرائيل كثيرًا ونحمي سمعتنا من الهدف الخفي لهذا الاعتداء وذلك يحتاج منا الى تجديد في هجومنا الإعلامي والسياسي والقانوني عليها والى نفس طويل حيث لا نكتفي فقط بالطرق التقليدية والركون الى المواقف المتعاطفة العابرة والنمطية.. الأحداث الكبيرة اذا كانت عملاً سياسيًا او عملاً عسكريًا كمثل هذا الاعتداء يعقبها ليل اعلامي طويل وارتدادات سياسية غير مألوفة كأنما هذه الأعمال او تلك الأحداث العمل مقصود بها قص الشريط ايذانًا بهجوم اعلامي طويل الاجل لتشكيل واقع سياسي معقد واخطر والأهداف الخفية للهجوم الاسرائيلي على مجمع اليرموك لا تخرج بعيدًا عن هذا المنظور حيث تسعى بعض القوى المتنفذة في امريكا لتجهيز المسرح لعربدة اعلامية وسياسية طويلة الاجل تنتهي باعادة السودان الى مربع الحرب والتحرشات الاممية وبعد سقوط كرت جنوب السودان وسقوط فكرة الحرب بين الدولتين لمزيد من الانهاك الاعلامي والاقتصادي والسياسي لدولة السودان عينهم الآن على بعض الجمر المستعر تحت الرماد في بعض اطراف السودان، لذلك ليس بالامر الغريب ان ينقل جورج كلوني وشركاؤه في مشروع القمر الاصطناعي «ستالايت سانتنل» - الذي امتلكوه خصيصًا وسلطوه على السودان يحصون انفاس جيوشه وحركة مجتمعه السياسي ويرسلون البيانات المصورة والاحداثيات لكل اعداء السودان من متمردين او دول - ان ينقله الآن من الجنوب الى منطقة ابيي وجورج كلوني والناشطون الهوليوديون والمنظمات التي تقتات من الازمات امثال «تحالف انقاذ دارفور» ومنظمة «كفاية» و«اطباء بلا حدود» والكثير من منظمات حقوق الانسان التي تعتمد على فكرة ان الناس يصدقون ما تقوله من بيانات.. وكان رد الفعل الاعلامي الوحيد والخطاب الرسمي الذي انتشر في الوسائل الاعلامية «ان السودان بلد ارهابي ويشكل خطرًا على اسرائيل» «السودان هو مخزن للصناعات العسكرية الايرانية» والسودان سيكون طرفًا في الانتشار النووي بتخزينه لسلاح لصواريخ تستخدم في حمل رؤوس نووية «السودان يمول الحركات المتطرفة وحركة حماس بالسلاح» «السودان مركز تجمع للقاعدة» وللحبكة الذكية التي يتم بها تشكيل هذه الصور يصعب ان نقنع الكثيرين من المحايدين والمراقبين بل وبعض ابناء جلدتنا بان ما يروجونه عنا من صور سوداء هي غير صحيحة، هذا هو المقتل الذي يصيبونا فيه، مقتل القابلية للتصديق والهزيمة على غرار ما شرحه بن خلدون في مقدمته من «تأثر المغلوب بثقافة الغالب» بل ان عددًا ليس بالقليل من الضالعين في العمل السياسي وبالذات من غير الناضجين يبتلعون هذه الصور عن عمد ويغذون بها طرحهم السياسي في سعيهم للسلطة فأحدهم تحدث في الفضائيات من القاهرة لم يرف له جفن وهو يعزز الادعاءات الاسرائيلية تمامًا كما انبرى احدهم عبر الاثير دون حياء وبوجه «مجلد بالكرتون» من قبل ليعزز ادعاءات بيل كلينتون وتوني بلير حول صناعة الدمار الشامل في السودان لتبرير ضربة مصنع الشفاء الذي اعتذرت عنه المخابرات الامريكية لاحقًا واعتبرته خطأً فادحًا نتيجة «معلومات استخباراتية سيئة» !!! ولم يعتذر المعارض السوداني الغيور عن خطئه الذي نجم عن اعتبارات سياسية سيئة. ذلك هو ما يمضي اليوم على قدم وساق اذ لم تمض ايام قليلة على الاعتداء الاسرائيلي الامريكي حتى مررت امريكا تجديد العقوبات على السودان بعين قوية وعلينا ان نكون دقيقين حينما نربط كل سفاهات اسرائيل واستقوائها على الاخرين ونحن من بينهم بامريكا فذلك ليس دفعًا ساذجًا اذ يأتي لسببين اولهما ان اسرائيل تعتمد في عدوانها دائمًا على القدرات الامريكية والمساعدة الرسمية المباشرة وغير المباشرة على العدوان وثانيها ان امريكا ليست بالضرورة امريكا الرسمية بمواقفها المتذبذبة لكن امريكا الأكثر فتكًا هي امريكا القوى المجتمعية والاحتكارات ومجموعات الضغط والمصالح كمجموعة هوليود التي يتزعمها الممثل جورج كلوني والتي تعتبر اكبر مستثمر للمشكلات والأزمات في افريقيا واكثر المجموعات ولوغًا في مشكلات السودان بالتحريض وتزييف الحقائق فالقمر الصناعي «ستالايت سانتنل» الذي تابع القوات المسلحة السودانية في الحرب على التمرد في الجنوب والنيل الازرق وابيي يعود مرة اخرى فيسجل احداثيات صناعتنا العسكرية قبل ضرب المصنع وبعد ضرب المصنع وذلك بمثابة عمل تجسسي وعسكري مباشر بل ان الصور الوحيدة التي تداولتها الوسائل الإعلامية خرجت من احشاء ذلك القمر المنصوب فوق رؤوسنا صور دقائق مصنع اليرموك قبل وبعد الهجوم الاسرائيلي اذن انقضت الضربة العسكرية في دقائق معدودة وتركت وراءها غبار الشك عالقًا في كل النفوس، وسائل الاعلام حتى المحايد منها اصبحت تكرر الفكرة الاسرائيلية عن ربط السودان بالارهاب وايران بل لم تخلُ معظم الصحف الاوروبية والامريكية من اضافات خبرية ودرامية حول ضرب السودان بافتعال بعض القصص وتركيب بعض الروايات ومن الصعب جدًا ان نصحح هذه الصورة بتصريحات مقتضبة او الاكتفاء بتفجير مشاعر الغضب في دوائرنا المحلية الضيقة التي لا ترى ولا تُسمع بضم التاء في الضفة الأخرى من العالم الفسيح، العالم الذي لا يسمع في غمرة الضجيج الأنّات الخافتة وآهات المظلومين والمحاصرين والمعتدى عليهم. اذن ماهي الأهداف الخفية؟ وماذا نحن فاعلون؟