الأخ/ النائب الأول لرئيس الجمهورية الأخ/ نائب رئيس الجمهورية لا يتسرَّب لديَّ أدنى شك في أن هذه البلاد تعجُّ بالكفاءات وتتمتع بالعقول والذهنيات الوقادة والمبدعة، ويكفي الاطلاع للوقوف على هذه الحقيقة على كتاب الشخصيات السودانية المعاصرة لذلك الكادر الإسلامي المعروف، الأستاذ/ أحمد محمد شاموق، الذي ظل بعيداً عن الأضواء والمراكز البحثية، تواضعاً منه وزهداً في المواقع والمناصب. ولا أجد غضاضة في التفكير على نحو جاد للاستفادة من ذلك الرصيد الضخم من علمائنا الأفذاذ، ورموزنا العالمية في مختلف أوجه النشاط العلمي، بالبدء فوراً في رصد تلك الثروة العظيمة بإحصاء الشخصيات السودانية التي ما زالت على قيد الحياة، وهي على استعداد للمساهمة في نهضة هذا الوطن. وأكاد أجزم أن أقلّ مسعىً في هذا الاتجاه سيجعلنا في مصاف الدول والمجتمعات التي لا تبارى، ولا تهزمها تحديات تتخذ من السلاح المتطوّر وسيلة لتقهرنا به، كما فعلت إسرائيل بمجمع اليرموك. ولا أظن أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أو ربيبتها إسرائيل قد بلغتا هذا المبلغ من التطوّر التقني والعلمي بعون شيطاني، أو سحر احتكرتاه دون دول العالم ومجتمعاته ولكن الذي حدث هو أن تلك الدول قد فردت جناحها علينا بالتفوق العلمي، وباستغلال الإمكانات العلمية، والعقول المفكرة. فكانت ثمرة ذلك هو العنجهية والأحادية بفعل الذي امتلكوه من قدرات مادية هي من قبيل القدرات التي يمكن أن تكتسب، وليست من قبيل المستحيلات. والدعوة التي نوجهها هي ضرورة الالتفات بشيء من التركيز والتصويب على العلم والعلماء وجمع هؤلاء في مؤسسة كبرى تحظى بالرعاية والتمويل ومختلف أنواع التسهيلات. وما من شك في أن بلادنا تزخر بإمكانات بشرية هائلة، وبعقول تستطيع أن تحدث المعجزات في مجال الاختراع والدفع بعجلة التطور بشكل متسارع و قد يكون ذلك مذهلاً وفي فترة زمنية شديدة القصر ولكن شريطة أن نقدِّم ما يقتضي التقدُّم ونؤخر الذي ليس أمراً فيه أدنى ضرورة للتقديم بحسبان أنه لا يمثل أولوية من الأولويات. والهيئة التي فكرت ملياً في ضرورة العمل لإقامتها هي هيئة ينبغي أن ينتسب إليها أهل العلم والمعرفة برعاية لصيقة من قيادة الدولة، على أن تربط هذه الهيئة بما نشأ من مراكز للدراسات والبحوث، ذلك لأن الاهتمام بالنوابغ الذين تتمتع بهم بلادنا، هو الكفيل بإخراجنا من أزمات التفكير في صناعة الحياة، وتوفير المعينات التي ترفدنا بعناصر مجابهة التحدي. فأزماتنا في مجال التخطيط، لا يعوزها عدم وجود العلم والعلماء، ولكن الذي يعوزها هو عدم القدرة على الاستفادة من أولئك العلماء. ومشكلاتنا الخاصة، أننا نفاجأ دائماً بالأحداث، هي مشكلات تتصل بغياب عقولنا المفكرة، أو تغييبها بمثل الذي يصيبنا من نوم في عطلة نهاية الأسبوع كأنما الحياة بكاملها قد دخلت في إجازة ومعها المسؤولون والموظفون والعمّال ليصبح الجميع في حالة مؤسفة من حالات الغياب والاسترخاء مما أحدث غيبوبةً تامةً. و للعلم، أنَّ الذي حدث من تطوّر في بلادنا خلال العقد الماضي، لا يمثل عُشْر معشار الذي يمكن أن يكون واقعاً. ذلك لأن كفاءاتنا العلمية ما تزال بعيدة عن التخطيط الدقيق وعلى بعد أميال عديدة من مراكز اتخاذ القرار. وصناعاتنا التي بلغت مبلغاً متقدماً، هي كذلك بالإمكان أن تخطو ملايين الخطوات إلى الأمام، فيما لو استوعبنا من أجلها المزيد مما نتمتع به من كفاءات. والأولوية اليوم، هي أن نعمّر الأرض ونحدث الإنجاز بالعقل السوداني، الذي بإمكان صناعة الآلة، واستغلال الأرض باطناً وظاهراً، و كل ذلك لا يتم باستجلاب عقول أو شراء آلات فقط ولكن عندما تنشأ بالجدية اللازمة هيئة جامعة لعلماء هذا البلد، تكون مهمتهم الحصرية البحث الدائم عن السبل الكفيلة بنهضة السودان. والنهضة، لا تتم إلا بالعلم و المعلومات والاهتمام المركَّز بالعلماء. ولا أخال أن المسؤولين لدينا، يغفلون عن هذه الحقائق التي كانت عنصراً رئيساً في تقدم من يتنمرون ويستأسدون علينا بأسلحتهم وعتادهم مرة بالقصف من على البعد ومرة عن طريق التدمير المباشر بالطائرات.