في كثير من قرانا تختلط العادات المحلية بمتطلبات الحياة العصرية وتشكل أحياناً عائقاً أمام تنفيذ بعض البرامج الصحية في المستوى الوقائي والعلاجي. فالمرضى لا يعانون من المرض فقط وحسب ولا غير.. ولكنهم يعانون من مرض آخر لم تعرفه هيئة الصحة العالمية ولا المحافل الطبية الأخرى ألا وهو المرض الذي ينتج عن أولئك العشرات الذين يرافقون المريض، ويشاركونه السرير الذي ينام عليه والهواء الذي يصرف له داخل المستشفى.. وتقف مشاركتهم عند هذا الحد إذ أنهم لا يشاركونه القبر.. الذي سيدفن فيه في النهاية. أدخلت المريضة فطومة.. وكانت تعاني من أنيميا حادة كموس الحلاقة، وكانت حبلى في شهرها السادس وكأنما كل هذا لم يكن كافياً فأصيبت بنزيف أحدِّ من موس الحلاقة التي ذكرناها ولم يتردد الدكتور مطلقاً بل قرر أن تبقى بالمستشفى واعتبر هذه الحالة خطيرة وأعلن حالة الطوارئ في المستشفى، ورقدت السيدة فطومة والدكتور ومساعده يبذلون قصارى جهدهم لإنقاذ حياتها. وبينما الدكتور يشرح لي خطورة هذه الحالة، وأن الناس لا يجيئون إلى المستشفى إلاّ أخيراً.. جاء رئيس العنبر وقال للدكتور: - يا دكتور.. الجماعة أهل المريضة واقفين حولها ومنعونا نعمل العلاج والإسعافات.. وعايزنك تجي تشوفهم.. وأسرع الدكتور وهو يتساءل عن السبب.. فقال رئيس العنبر: غايتو هم منعونا وقالوا فطومة خلاص بقت زولة موت وهم عاوزين يموتوها.. ودخلنا العنبر ووجدنا القوم متجمهرين حول سرير فطومة، وقد كان هناك رجل يبدو عليه أن له مكانة خاصة وسط المرافقين هؤلاء، وهو يقوم بعملية «تكسير عيون» فطومة.. بينما أمسك شخص آخر بيديها ووضعهما سوياً، وأمسك ثالث برجليها.. والشخص الذي يبدو عليه أن له مكانة خاصة كان يردد: يا فطومة.. لا إله إلا الله.. محمد رسول الله.. يا فطومة أمسكي الشهادة.. وفطومة المسكينة والتي كانت في غيبوبة كانت «تجيها صحوة» من وقت لآخر، فتزيح بيديها أيادي المرافقين هؤلاء إشارة منها إلى أن أجلها لم يدنُ بعد والأخ «المشهوداتي» مستمر: يا فطومة، أمسكي الشهادة.. لا إله إلا الله.. محمد رسول الله.. ويردد الواقفون الشهادة.. وبصعوبة بالغة شق الدكتور طريقه وهو يتساءل عن الحاصل.. وهنا التفت إليه الشخص «المشهوداتي» أو «المموتاتي» قائلاً: الحاصل كمان شنو يا دكتور؟؟ ما يا هو فطومة بقت للموت، ويوضح الدكتور: - لكين يا أخوانا منو القال ليكم فطومة دي بقت زولة موت دلوقت؟ ويرد الأخ المموتاتي: - استغفر الله.. كمان نحنا الموت ما عارفينو؟.. والموت عايز ليهو طب ولا عايز ليهو حكمة؟.. دا كلام موت بس.. ونحنا بنعمل في لوازم الموت.. ويوضح الدكتور أكثر: - يا أخوانا.. فطومة دي حيّة ولسع ما بقت للموت ونحنا عايزين نعالجها.. ويستنكر الأخ المموتاتي بشدة وهو يقول: - شايفين الزول دا بقول شنو؟.. والله حكايتك حكاية فطومة هسع قاعدة تخارج في الروح.. أنت ما قلت حكيم ... ما بتعرف خراج الروح؟ هسع فطومة فضل فيها شنو؟ ما إلا الروح دي يا هي خارجة.. وبكل صعوبة يجادل الدكتور: - طيِّب إنتو ما تنتظروا لحدي ما الروح تخرج.. وينفعل الجميع استنكاراً: - استغفر الله.. كمان نخلي وليتنا تموت فطيسة ولا شنو كلامك؟.. والله حكاية.. وهنا يقتنع الدكتور أن المجادلة لا تقود إلى شيء إلا خراج روح فطومة بالقوة.. وينصرف إلى مكتبه ومن هناك يتصل بالبوليس.. فتصل قوة منه تقوم بإخراج الأخ المموتاتي وفرقته بالقوة قبل أن يخرجوا روح المرحومة فطومة بالعافية.. ومر يوم بأكمله وفطومة تتلقى العلاج ولم تنتقل إلى جوار ربها.. ومر اليوم الثاني والثالث وفي اليوم الرابع كانت فطومة جالسة على سريرها يوم الزيارة وهي تقول للأخ المموتاتي: - أها إن شاء الله تكون خليت عيالي شديدين؟