أثار انتباهي ما تعرض له الأخ أحمد البلال الطيب ببرنامجه المشاهد «في الواجهة»، وهو يحاور الأخ الدكتور/ أمين حسن عمر، عندما تلا رسالة من مشاهد يقول فيها: بأننا لسنا في قامة إسرائيل التي تملك السلاح الفتاك، والقدرات العسكرية المتطورة لنتحداها، وينبغي عدم طلب المواجهة معها لأننا ضعفاء، وبإمكان إسرائيل أن تدمرنا، ولا تترك فينا نفّاخاً من نار، أو كما أفصحت عنها عبارات رسالة ذلك المشاهد. ومما أعجبني ذلك التعليق الذي تفضل به الدكتور/ أمين حسن عمر رداً على مضمون تلك الرسالة، بقوله: عليك أن تتغطى ببطانية ولا تجرؤ على مقاومة من يهاجمك في بيتك، بحجة أنك لا تملك أدنى قدر من وسائل المقاومة لتحمي عِرضك ومالك وأبناءك. والأصل كما يعلم القراء، أن المرء دع عنك الدولة مطالب بالدفاع عن نفسه، والاستماتة من أجل حقوقه، وعدم السماح لمعتد أن يعتدي عليه، مهما كانت وسائله محدودة، أوقدراته متواضعة، حيث لا مجال لصاحب حق أومدعي كرامة أن يقول إنه عاجز وعلى الطير أن يتخطفه، أوتهوي به الريح إلى مكان سحيق، وأمثال هؤلاء لا يستحقون حياة، وإن تمتعوا بقدر من العمر فإنه عمرٌ تملأه الخيبة، والخائب هو من يعيش طوال عمره تحت الأقدام، أو يلجأ للاختفاء جبناً بكهف من الكهوف أوبركن من الأركان. وإسرائيل التي يدعو صاحب الرسالة في برنامج «في الواجهة» بعدم تحديها، أو الوعد بالرد الموازي لاعتدائها، هي ذات إسرائيل التي أصابها الهلع والذعر جراء الوعي العربي والإسلامي، الذي أحدث ثورات دكّت حصون المستبدين والطغاة، كما هي ذات إسرائيل التي تحركت بالاعتداء واستباحة سماوات البحار العالية والسواحل العائدة لدول عربية وإسلامية، بدافع الخوف من سلاح اعتبرت أنه يهدد وجودها ويؤثر على أمنها. وإن لم يكن الدافع خوفاً فإن تحرك الطائرات وتوجيه الصواريخ بهذه الكلفة العالية يصبح لا معنى له. وإن لم تكن دولة السودان دولة يوضع لها ألف حساب لما همّت إسرائيل بالغدر بها، والغدر كما نعلم سمة من سمات الضعفاء، أما القوي فهو ليس بحاجة للتخفي واتباع منهج التآمر. ويكفي هنا أن نلفت انتباه الذين يخشون إسرائيل ويتوجسون منها خيفة، أن نحيلهم إلى مراكز البحث الأمني والعسكري بالكيان الصهيوني، وهي التي توضح في بحوثها ما يهدد إسرائيل من خطر وتوجه قادتها برصد كل القدرات والإمكانات لمواجهته. وإن كان السودان بلداً لا يمثل شيئاً بالنسبة لإسرائيل لما استهدفته، ولما وضعت له أدنى وزن ولا أقل قدر من الحساب. والقوة التي أمرنا الله بها لمواجهة عدونا، ليست هي القوة الخارقة، وإنما هي القوة بقدر المستطاع، ذلك لأن الله هو ذو القوة المتين، وأن يده فوق جميع الأيادي، كما أن بطشه هو البطش الشديد، وليس هنالك قولاً فوق قوله: «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» الحج 40 والمسلمون الذين اجتاحوا الامبراطوريات، وهزموا القياصرة والأكاسرة، لم تكن لديهم آنذاك القوة المادية الضاربة، لكنهم أولئك الذين تعمّق الإيمان في قلوبهم، وتجذرت بين حناياهم الإرادة الغلابة، والعقيدة الصادقة، فهزموا بهما من لم يستطع مواجهتهم اعتماداً على ما يملكه من سلاح. وها هي إسرائيل تكرر ذات التجربة، وهي لا تعلم أنها كرة أمام عباد أولي بأس شديد، وهم الذين سيجوسون خلال الديار وكان وعد الله مفعولاً. أما الجبناء الذين يخشون إسرائيل فعليهم أن ينجوا بجلودهم، ويا ليت البطانية التي تغطي أجسادهم قادرة على مواراة ما يفضحهم من سواءت وعورات، أو كما ذكر أمين حسن عمر في برنامج «في الواجهة» الذي يقدمه أحمد البلال.