عادت بعض أحزاب المعارضة للجلوس مع المتمردين للتباحث حول كيفية إسقاط النظام الحاكم في الخرطوم تحت ما تعتبره مظلة قوى الإجماع الوطني والجبهة الثورية التي تضم متمردي جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وحركات الشباب والطلاب والنقابات والنساء.. حتى النساء اللاتي تتقدمهن لبنى أحمد حسين ومريم الصادق المهدي باعتبارهنَّ قوة في المجتمع المدني. وقد جلس في لندن السيد الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي ذي القاعدة الجماهيرية العريضة التي تقدِّس تاريخ الثورة المهدية الإسلامية، جلس مع ياسر عرمان الأمين العام لحركة التمرد في جنوب كردفان وعلى الحاج نائب زعيم حزب المؤتمر الشعبي ليوقعوا على بيان يتحدّث عن الانتقال السياسي في السودان وترتيبات النظام الجديد المنشود الذي يحاولون التمهيد لإتيانه من خلال تعهدهم حسب ما جاء في البيان بتطوير خطاب كثيف إلى أعضاء الأسرة الدولية ودول الجوار الإقليمي، والمقصود هنا بالأسرة الدولية بالطبع الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن ورائها دائماً وأبداً إسرائيل، والمقصود بالجوار الإقليمي دولة جنوب السودان التي تحتضن «قطاع الشمال» بقيادة عقار والحلو وثالثهما ياسر عرمان.. تخيل أن دولة جنوب السودان يستعان بها في الانتقال السياسي بالسودان وترتيبات النظام الجديد، هذا زمانك يا مهازل فامرحي!!.. أما تبرؤ حزب الأمة القومي من ارتباط عضوه نصر الدين الهادي المهدي، فما عاد ممكناً الآن، وهو يذكرّنا بأنه بعد سقوط المهدية وقتل نجلي الإمام المهدي وهما الفاضل والبشرى لم يجد الاحتلال البريطاني مقاومة ممن يحمل اسم المهدي حتى عام 1956م. لكن الأهم في الأمر هو أن هؤلاء الثلاثة الذين اجتمعوا من أجل إسقاط حكومة البشير وعلي عثمان ونافع التي شارك فيها علي الحاج وجون قرنق ويشارك فيها الآن عبد الرحمن الصادق المهدي إذا ما عدنا إلى الوراء سنقول سبحان مغير الأحوال من حال إلى حال.. إن الثلاثة هم الصادق المهدي وعلي الحاج وعرمان. أولاً حينما كان الصادق المهدي رئيس وزراء منتخب عام 1986م ولم يمض على ترؤسه الحكومة المنتخبة أربعة أشهر هرب ياسر عرمان إلى التمرد في الجنوب ليلتحق به وقال إنه خرج إلى النضال!! أي النضال ضد الديمقراطية الثالثة ليعود مع جون قرنق بعد أن يأتي فاتحاً ويحكم البلاد بلا ديمقراطية طبعاً، ويكون الصادق المهدي «عيدي أمين آخر» مع الفارق إذ إنه منتخب بعد انتفاضة أبريل. وبعد أن فشل جون قرنق في إطاحة الصادق المهدي وتناول القهوة في المتمة نجح علي الحاج مع إخوته من قيادات الحركة الإسلامية في إطاحة رئيس الوزراء المنتخب في «30» يونيو «1989م». لكن قرارات الرابع من رمضان الشهيرة قبل أكثر من عقد وانفصال الجنوب قبل أكثر من عام هما ما جعلا علي الحاج وياسر عرمان يجلسان مع السيد الصادق المهدي لاستثمار قاعدته الجماهيرية في التظاهرات والاعتصامات في الميادين العامة التي دعا إليها الأخير في ذات الجلسة، وقد وجدت دعوته التثمين ممن جلسوا معه في لندن. لكن هل الرهان على الاعتصام أم على أن يكرر الصادق المهدي أو غيره من المعارضين أو المتمردين نموذج أحمد الجلبي زعيم المعارضة العراقية قبل احتلال العراق وإطاحة صدام حسين؟! ثم إذا فهمنا أن عرمان وعلي الحاج من وراءهما داخل السودان وخارجه يريدون استثمار قواعد حزب الأمة وتحميس مريم المهدي، ترى في ماذا سيستفيد منهم الصادق المهدي وهم الذين تمردوا عليه وهو رئيس وزراء وأطاحوه من الحكم وهو منتخب؟! هل يريد الاستفادة من منابرهم لممارسة هواية الكلام الكثير؟!