عندما وقعت في يدي وثيقة خبر زواج السيد محمد عثمان الميرغني بإحدى الصحف القديمة، ومن خلال متابعتي لحياة السيد الميرغني.. أذهلني الفارق الزمني منذ أن تم زواجه مقارنة بعمره ونشاطه الظاهرين، على الرغم من تقدمه في السن وإسقاطاته عليه من أمراض الشيخوخة، وقد كان نص رقعة خبر الزواج كالآتي: «أقامت هيئات شباب الختمية في الرابعة والنصف من مساء أمس بالميدان الواقع شرق جامع الخليفة بأم درمان، مهرجاناً حافلاً اشترك فيه شباب الختمية والأنصار وبعض الفرق الرياضية. وتخللت العرض أنغام موسيقية عذبة من فرقتي الجيش والبلدية »المحلية«، وذلك ابتهاجاً بزواج السيد محمد عثمان الميرغني النجل الأكبر لسيادة السيد علي الميرغني، وقد حضر الحفل السيد رئيس الوزراء والسيد الصديق المهدي رئيس حزب الأمة وكبار رجال الدين، ورجال السلك الدبلوماسي على رأسهم سفراء الدول ورجال الأعمال وغيرهم، وبعد أن قامت طوابير الشباب وغيرها بعرض رياضي فروسي ألقى السيد علي عبد الرحمن رئيس حزب الشعب الديمقراطي »حزب الختمية« كلمة، وأعقبه الشاعر الكبير البنّا بقصيدة عصماء، وختم الحفل العريس بكلمة شكر فيها الجميع مناشداً إياهم التكاتف والتعاون، واستمر الحفل الشعبي الرائع إلى ساعة متأخرة من الليل بين أنغام الموسيقى وأغاني الفنانين وضربات النحاس وابتهاج الجماهير..« نقلاً عن صحيفة »الرأي العام« الصادرة بتاريخ 13/9/1958م. وبالنظر لشخصية السيد محمد عثمان الميرغني، نجد أنه شخصية نادرة، فرغم الضغوط التي عليه بحكم ولايته للحزب وتحمله كل قضاياه ومريديه وضيوفه، إلا أن نشاطه وحيويته لم يخبوا. وقد أكد مصدر مقرب منه أن مولانا الميرغني لم تتم رؤيته في اي اجتماع أو لقاء مهما طال زمنه قلقاً أو متعباً، بل يجلس كما يجلس الشباب على الرغم من أنه مصاب بداء السكر الذي لا يخفيه عن أحد ويعلنه في كل المؤسسات وحتى خارج نطاق الحزب، ودائما يحمل معه دواءه ولا يخفي عن أحد طبيعة مرضه.. وذكر أنه في إحدى البلدات بولاية الخرطوم، كان أحد الخلفاء الكبار يجلس مع مولانا الميرغني، وانتبه إلى انه طوال فترة الاحتفال والاحتفاء به يضع يديه على رجليه دون أن يحركهما، وهو دليل على شدة احتماله وهو في هذا السن، مما يؤكد أنها قوة غير عادية تستحق الاهتمام والتقدير. وما بين عام 1958م والألفية الثانية، دار همس في دوائر مغلقة بالحزب الاتحادي الديمقراطي »الأصل« وطائفة »الختمية«، حول نصيحة تلقاها مولانا السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب ومرشد الختمية، بالزواج من إحدى سليلات الشرف بالأسرة الميرغنية، وعند سؤالنا للمصدر المقرب أكد أنهم سمعوا بها كالبقية، وبحكم وجوده معه إلا أنه لم ير أية إشارة أو دليلاً على حقيقة ما يدور. إذن تبقى الرؤية الروحية والحب الذي يكنه له أتباعه ومريدوه، هي الأعمدة الأساسية لما نراه الآن في حله وترحاله، ورغم كل ما يدور من تداعيات سياسية واقتصادية في البلد بخلاف ما يحدث داخل الحزب من انشقاقات وتكتلات.. إلا أننا نرى أن القوة التي يتمتع بها السيد الميرغني هي البوصلة التي يستهدي بها أتباعه.