في هذه الكلمات القادمة لا أريد محاسبة الحركة الإسلامية لأنني والله أشفق عليها إشفاق الابن على أمه المريضة.. لكنها أشواق، ولوعة، وأسى، أبثها للحركة الإسلامية التي كانت يوماً ما !! أُماً عطوفاً أرضعتنا من ثديها ورعتنا تحت كنفها ونحن صغار زغب، كانت الحركة الإسلامية مدرسة دخلناها صغاراً لم ينبت لنا شعر، وكان أستاذنا في المرحلة الثانوية بمدرسة «الصحافة غرب» ينتظرنا عند بوابة المدرسة، وقد أعدّ حلقة التلاوة، وعندما يتأكد من حضور جميع أبنائه تبدأ حلقة التلاوة لتنتهي قبل موعد طابور الصباح، وكان يوم الخميس هو يوم الصيام الجماعي، نعود من منازلنا في المساء نحمل طعام الإفطار، نتحلق حول بعضنا البعض، نتدثر تلك الأجواء الإيمانية الرائعة.. وخلال تلك المرحلة قمنا بتشييد المسجد داخل المدرسة، ثم قمنا بعمل إذاعة داخلية، وكانت مدرستنا من أوائل المدارس التي تقيم إذاعة مكتملة ببرنامجها.. أما الترفيه، فكانت لنا فرقة إنشاد إسلامية، وأذكر أنه في الليالي الأدبية كانت تحضر مجموعة كبيرة من الأسر لتستمع لتلكم الحناجر الصغيرة وهي تردد «مسلمون مسلمون» و«نسمات الفجر» وغيرها من الأناشيد الإسلامية الجميلة، ونحن نتلقى تلك التربية الإسلامية الحسنة، لم نكن حينها نعرف أننا جزء من مشروع تربوي لكوادر الحركة الإسلامية الذين لم «يبلغوا الحلم حينها».. كان هو برنامجاً دعوياً تربوياً ثقافياً اجتماعياً.. أين ذلك الآن؟ أين أنت أستاذي أحمد حسن، وأين برنامجك «ظلال»، هل تم الحجر عليك، مثلما فعل المؤتمر الوطني بالحركة الإسلامية وأضاع أكبر مشروع إسلامي إستراتيجي للحكم !! المؤتمر الوطني الذي سعى أعضاؤه لإقصاء أعضاء الحركة الإسلامية عن الانتخابات السابقة وفق تكتلات قبيحة، عادوا ليتسلقوا أعناق الحركة الإسلامية، يتبوأون المناصب وهم لا يعرفون «أركان الصلاة»، ناهيك عن فقه الولاء والبراء، أو يعرفون من هو حسن البنا أو سيد قطب، ولا يعرفون شيئاً عن وصاياه.. الحركة الإسلامية التي يقودها المؤتمر الوطني فشلت في مجال الدعوة، فيما نجحت الجماعات السلفية الأخرى مثل «أنصار السنة» وجماعة «الرابطة الشرعية» بل أن شخصاً مثل الشيخ الجليل عبد الحي يوسف نجح في إقامة منظومة دعوية متطورة جداً، فيما فشل المؤتمر الوطني بكل إمكانياته في أن يخرج دعاة شباباً لهم تأثير مثل المرحوم محمد سيد حاج أو محمد عبد الكريم أو محمد الأمين إسماعيل.. ومازال المؤتمر الوطني يعتمد على شيوخه القدامى مثل الشيخ الكاروري وبعض المهاجرين إليه مثل الشيخ عصام أحمد البشير وبعض المحسوبين عليه مثل الشيخ كمال رزق الذي نجح في إدارة مركز الدعاة «الحسنة الوحيدة». أما فيما يتعلق بالجانب الثقافي والفكري، فلقد عقم رحم المؤتمر الوطني عن الإنجاب فعهد غازي صلاح الدين «فكرياً» وعبد العال«ثقافياً» لم يتكرر. أما في القيادات الشابة فلا نجد من يشابه البشير والشهيد الزبير في«تلقائيتهما» أو على عثمان في حنكته. شئ وحيد متبقي من إرث الحركة الإسلامية يديره المؤتمر الوطني، وهي تلك المصفوفة أو المنظومة القتالية «الدفاع الشعبي» ويعود ذلك لأن المجاهدين لا يرتبطون بمشروع معين أو جماعة بعينها.. فقلوبهم مرتبطة بإعلاء كلمة لا إله إلا الله، وجماعتهم هي الإخوة في الله.. وهم الناصحون حين يداهن الجميع، وهم الحاملون على أعناقهم القضية لأن لهم عهداً مع من مضى، لذلك هم يقولون ما يخشى البعض أن يحدّث به نفسه، لذلك نجد الصدق يتقطر من بين جنباتهم في حديث جعفر بانقا أو حاج ماجد محمد أحمد وجميع مجموعة «السائحون». وهو آخر عرين للحركة الإسلاميةو تجمع فيه منبر السلام والمؤتمر الشعبي وبعض السلفيين مع «بعض» أعضاءالمؤتمر الوطني.. أين الحركة الإسلامية والسودان يحكم بدستور علماني؟ أين الحركة الإسلامية والجامعات تعج بالعاريات الكاسيات؟ أين الحركة الإسلامية والإعلام فيه ما فيه؟ أين الحركة الإسلامية التي صنعت أول نظام مصرفي إسلامي في العالم، ووزارة المالية تسعى لتطعم السودانيين الربا؟ بل أين أنتم أبناء الحركة الإسلامية الصادقون الأوفياء الذين إذا وعدتم أوفيتم، وإذا تحدثتم صدقتم، وأسمعتم، أين أنتم يا أيها الموطئون أكنافاً، يا من يَألفون ويُؤلفون؟؟أيها المؤتمر الوطني أعد للناس مشروعهم الإسلامي، أعد لهم حركتهم الإسلامية، فأنت غير جدير أن تحمل مثل هذا المشروع.. فأنت عندنا مثل خضراء الدمن.