بعض الإخوة في المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية كأنهم لم يقرأوا شيئاً عن معاني الأثرة والإيثار ولا القربات ولا التكاليف الشرعية التي لا تصلح فيها الوكالة. فهؤلاء البعض يتنازلون عن حقهم في اختيار الأمين العام للحركة الإسلامية لمؤتمر الشورى الأدنى مرتبة ولا يذكرون من النماذج ما يعينهم على اتخاذ الرأي الصائب والموقف الصحيح. إن إحسان الاختيار تكليف ومسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى.. والممارسة والعُرف والشرع لا يعفي أحداً من التكليف ومن المسؤولية إذا أخطأ الوكيل خاصة إذا جاء التعويض للوكيل بالكيفية التي جاء بها تكليف مؤتمر الشورى وإحالة الأمر إليه.. مما جعل كثيرين من أعضاء المؤتمر ينصرفون عن الجلسات قبل الوصول إلى اليوم الختامي. من الأنباء الطريفة أن بعض المغاربة خرجوا يتظاهرون يُطالبون بحقهم في المشاركة في اختيار الرئيس الأمريكي!! وحجتهم منطقية.. وإن لم تكن شرعية فالرئيس الأمريكي يتدخل في سياسات كل دول العالم ويؤثر على كل مواطن في أي دولة.. لذلك فمن حقهم المشاركة في انتخابه!! هذا ما رأوه.. وهذا ما تظاهروا لأجله.. في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم من الجالس على يمينه أن يُعطي الإناء الذي شرب منه إلى الشيوخ الجالسين على يساره.. وكان الجالس على يمينه هو عبد الله بن عباس وكان أصغر القوم أو من أصغرهم.. فقال ابن عباس: والله لا أوثر بنصيبي منك أحداً.. فتله به في يمينه.. ومن هذا جاءت المقولة المشهورة.. لا إيثار في القربات. وإحسان اختيار الأمين العام من القربات إلى الله سبحانه وتعالى فكيف يؤثر أحدكم غيره بمثوبة وأجر هذه القربى الكبيرة؟! إن الذي دار خارج قاعة المؤتمر وشهده البعض وامتعض وغادر يشبه إلى حد بعيد ما دار في مجلس تنسيق ولاية الخرطوم عند اختيار أمين عام الولاية. وهو ظاهرة الوصاية.. وظاهرة المؤامرة.. والتدخل في منهج الشورى وتحويله إلى منهج ديمقراطية رخيص ومعتل ومصنوع.. إن الشورى يجب ألا تخيف أحداً لأن الشورى تعتمد على المزايا والخصائص.. أما الديمقراطية فتعتمد على العدد والأغلبية.. والضغوط.. والكواليس والمؤامرة.. إن الديمقراطية ليست دينًا.. لذلك فإن أنصارها لا يمتنعون عن وسيلة ولا حيلة في الوصول إلى مبتغاهم.. وللأسف الشديد فإن الذي تمارسه الحركة الإسلامية في مجالسها ومؤتمراتها ليس شورى ولا قريباً منها. بل هو ديمقراطية بكل سيئاتها ومساوئها.. وعوراتها.. إن التحول الذي حدث في المؤتمر في اليوم الثاني قادته رموز المرأة في الحركة الإسلامية.. وتلقفته القيادات الأخرى والأمر لا يحتاج إلى ذكاء ولا كبير جهد.. فالحركة الإسلامية في مستوياتها العليا قدمت النساء على الرجال وصعّدت الحرائر والأبكار وربات الخدور وربات الحجال.. حتى أوشكت القوامة أن تتحول من الرجال إلى النساء. مع أن الآية المحكمة تقول «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا فالصالحات قانتات» فالإنقاذ تفضل الرجال على النساء وتذر الشباب يتلقَّون الإعانات والهبات من أخواتهم اللائي ملأن الساحة بل الساحات في كل مجال من مجالات العمل ومجالات التوظيف.. ومنهم الأخ أمين حسن عمر الذي يُنكر أن نقل التكليف من المؤتمر العام إلى مؤتمر الشورى هو تقليل لقيمة التفويض.. وهذه مغالطة وحُجة بائرة وقائلها أعلم الخلق ببوارها.. إن العصبة الحاكمة والنافذة يجب أن تعلم أن هذا الفعل يمثل تحريضاً صريحاً على التمرد.. وإن التشريع يجعل حلّ الحركة صعباً لا ينعكس على التمرد ولا على الانشقاق.. وأنا أقول بملء فيَّ.. إنه إذا حدثت بوادر تمرد أو انشقاق فإن كواليس المؤتمر الثاني للحركة الإسلامية هي المسؤولة الأولى والأخيرة عنه.. وكواليسه هي قياداته العُليا دون سواها.. إن العصبة النافذة في الحركة الإسلامية الآن تحاصر القواعد وتخنق أنفاسها.. وتسد عليها المنافذ.. وقواعد الحركة الإسلامية ليست بالضبع الذي لا يملك إلا الجعار إذا حصر ويقال له «روغي جعار» فيُنحت له اسم من الجعر. إن قواعد الحركة الإسلامية لا يُقال لها «روغي جعار» وأخشى أنها ستقاتل هذه المرة.. وقد قلت سابقاً إنني أخشى أن يكون مؤتمر الحركة الإسلامية هذا هو مؤتمرها الأخير.. وإذا حدث فكواليس الحركة هي الآثمة. إن مجلس التنسيق ومؤتمر الشورى والقيادة العُليا المقترحة لا تمثل إلا مجالس الأعيان.. والعُمد والنظار والمشايخ.. وهي لا تراعي إلا مصالح هؤلاء.. ومجالس أعيان الحركة الإسلامية في عهود الإنقاذ خاصة في السنوات العشر الأخيرة.. لا تفعل إلا هذا وهي جادة في إسكات كل الأصوات والقامات التي تعترض هذه المصالح أو تهدِّدها.. ومع كل ذلك ومع أن غازي صلاح الدين يمثل رمزاً تحرض قواعد الحركة الإسلامية في هذا المنعطف.. فإن همّ الحركة الإسلامية لا يقف عند اختيار أمين عام.. إن الهمّ الأكبر لا يقل عن تصحيح المسار وتقديم الأصل الشرعي الذي أهملته الإنقاذ على أباطيل المؤتمر الوطني.. وهرطقاته..