كان ماعز بن مالك صحابياً.. وتعريف الصحابي ونهديه إلى الذين يتهكمون على الصحابة بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير الصحابي هو من لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإيمان.. بلا زيادة ولا نقصان وذلك يصح في الرجال مثلما يصح في النساء. ومع أنه صحابي فقد حُدّ في الزنا.. وكان الحد هو الرجم.. وماعز بن مالك رضي الله عنه جاء بنفسه معترفاً.. ولم يكن مطلوباً منه الاعتراف.. كان يكفيه التوبة والندم.. ماعز بن مالك زنا مرة واحدة وندم وتاب واعترف وحُدّ فقد كان الذنب منه زلة وضعفًا وسقطة.. ولم يكن سلوكاً.. ولا نهجًا.. وهذا أمر يحدث لكل إنسان حتى للصحابة لا يكاد ينجو منه أحد.. ولا يعيب أحداً.. بل إن الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن مالك بن ماعز عندما سبّه أحد الذين كانوا يرجمونه.. يجعلني أتمنى أن لو كنت مكانه!! قال: لقد تاب توبة لو قُسِّمت على أهل الأرض لوسعتهم!! من منكم لا يتمنى أن يلقى الله بهذه الشهادة على أي وجه جاءت.. وإذا تاب الإنسان كلّما أذنب فإن الله يتوب عليه إلا أن يكون من المستهزئين بالتوبة.. فذلك لا يتوب توبة نصوحاً ولا يندم ولا يُقلع.. لأن من شروط التوبة النصوح الإقلاع مع بقية الشروط.. والآن نريد أن نسأل عن الذي يشرب الخمر ولا يفكر في التوبة ولا يُقدم عليها.. بل يرتب كل يوم أو كل حين كيف يأتيه نصيبه من الحرام أو يأتي هو إليه في مكانه.. والذي يمارس الزنا ولا يُقلع عنه ويجعله عادة ونهجًا وسلوكًا.. ولا يندم ولا يستحي.. ولا يفكر في التوبة مطلقاً.. هل هذا ضعف مجرد ضعف أم أنه انحراف واعوجاج وفسوق.. وفجور؟ ونسأل عن الذي يأكل المال الحرام غصباً أو نهباً أو سرقة أو اختلاساً أو تزويراً.. ويكون ذلك بتخطيط وترتيب وحذق ومهارة وإصرار ومداومة أليس هذا لصاً..؟ أليس هذا سارقاً؟ أليس هذا ظالماً وجائراً ومارقاً؟ هل يستوي الذي يُعد كشفاً بأسماء وهمية وتوقيعات مزوَّرة ويصرف مبالغ طائلة لسنوات وسنوات.. هل يستوي هو ومن أكل مالاً حراماً مرة واحدة في عمره وندم ندامة شديدة وأعاده أو حاول إعادته وعجز.. فجعل يعض بنان الندم بقية عمره كله.. هل يستويان؟ هل يستوي من تدفعه الأمّارة يومًا وذات مرة لأكل مال حرام ثم يندم ويتوب ويعيد المال إلى حله.. هل يستوي هو من يرتب الجبايات الحرام باسم الضرائب وباسم الزكاة وباسم المحليات وباسم الولايات وبأسماء مختلفة ومتعددة ومتنوعة ولا تقدم خدمة ولا تقدم منفعة؟ هل عجبتم من إدخال الزكاة في الجبايات الحرام؟ إذا لم يكن في المال المعين صفة زكاة.. وإذا لم يكن المال قد بلغ النصاب.. وإذا كان المال لم يحُل عليه الحول.. وإذا جاء التقدير فيه على خلاف ما قدره الشارع الحكيم.. فهذه زكاة حكمها حكم المكوس والضرائب والغصب!! والفساد في الملك هو شر أنواع الفساد.. والذي يطلب دوام الملك له أو في عقبه أو في حزبه على غير الوجه الشرعي المقبول عند الله سبحانه وتعالى فهو يرتكب شر أنواع الجرائم. وشر الناس في الدنيا إمام يدوم له بظلم الناس ملك وذلك لأن الظلم في الملك هو الباب الذي تلج منه كل أنواع الظلم والقهر والنصب والفجور الأخرى.. والإمام والملك اللذان وردا في البيت أعلاه يشملان كل الولايات السلطانية والرئاسات والزعامات والإمارات والقيادات.. ونقول وللأسف الشديد إن الذي يدور في بلدنا العزيز السودان منذ ربع قرن من الزمان.. بل منذ أكثر من ربع قرن من الزمان ليس ضعفًا بشريًا ينتاب الحكام مرة بعد مرة.. وليس سقطة.. ولا نزوة ولا هفوة ولا شهوة عارضة. إن أكل أموال الناس بالباطل طيلة هذه المدة.. وترك الحبل على غاربه للمفسدين في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية.. والانصراف عن ترتيب الشأن السلطاني أو الدعوي أو الأمني.. والإعراض عن الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى في الأموال والنفوس والفروج.. والإصرار على الجلوس على دست الحكم.. وإختلاق المبررات والمعاذير والذرائع.. كل هذا كان سائداً قبل الإنقاذ.. ولا يزال سائداً في سنوات الإنقاذ.. ولا أحسبني أظلم الإنقاذ.. إذا قلت إنه أصبح سائداً فيها بأكثر مما كان سائداً فيمن كان قبلها.. بل وفي من انقلبت عليه الإنقاذ.. وهذا كله فساد.. وسلوك.. ومنهج.. وليس خطأً عارضاً .. ولا هفوة.. ولا سقطة.. كلا ولا اجتهاداً.. إنه سلوك وأعوجاج واستمرار للخطأ والخطيئة. { الجنوب شيء.. والحركة الشعبية شيء آخر هذا ما يجب أن يعرفه ويلتزم به أهل السودان جميعاً.. لا يجب أن يخلطوا بين الاثنين. فشعب الجنوب أياً كان مسلمهم وكافرهم شعب مجاور له حقوق الجوار على الأصل الشرعي الذي نصّت عليه الآيات والسور والأحاديث الصحاح الجياد. لا مجال للعنصرية ولا للنعرات العرقية خاصة عندما ينطلق الحديث من باب الدعوة.. والدعوة ليست هي مطابقة للأسلمة لأن النص الحاكم هو «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». فالدعوة هي إحسان القول وإحسان الخطاب «وقولوا للناس حسنا» وأظن أن الإشكالية التي ترد في خطاب الكثيرين وليس فقط د. عبد الماجد عبد القادر هي من آثار اتفاقية نيفاشا التي خلطت الأوراق خلطاً غريباً وعجيباً.. وسادت بين الجنوبيين جميعاً.. وذلك لأن الإنقاذ لم تكن تتحلى بالشجاعة الكافية لتقول إن الجنوب الجغرافي بعد الانفصال أصبح دار كفر ودار حرب والمسلم مأمور بالهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام.. ودار الإسلام ملزمة بالترحيب به ومعاملته معاملة أقرانه الآخرين ولكن الإنقاذ كانت وما زالت أسيرة القوالب الدبلوماسية المعاصرة المبنية على غير هدى الوحي وهدى الإسلام. والدين ليس من معايير هذه القوالب ولا من اهتماماتها.. نحن نتكلم اليوم عن الجنوب ولا ندري عن أي جنوب نتحدث ويتكلمون عن جنوب السودان ولا أحد يدري عن أي سودان يتحدثون.. هذا الخلط من جانبهم متعمد ومقصود لأنهم يريدون نقل معركتنا مع الحركة الشعبية لتصبح معركة مع شعب الجنوب.. وهي ليست كذلك.. ولا نريد عداوة مع شعب الجنوب ولا قتالاً.. نريده أن يكون شعب دعوة ودار دعوة.. وساستنا.. وكتابنا بمن فيهم الدكتور عبدالماجد يجب أن يراعوا هذه المعاني.. ولكن الذي تجب مراعاته أكثر الحكم الشرعي المتعلق بالمسلم خاصة المستضعَفين منهم.. لهم ما لنا وعليهم ما علينا.. والقضية مع الجنوب «الذي لا أحد يدري ماهيته» معقَّدة وشائكة ومحتاجة إلى رؤية كلية وشاملة حتى يُعرف الحق فيها من الباطل وحتى يتبين كل واحد منا موطن قدميه.. والله المستعان.