في قديم الزمان اعتمدت البشرية على إفراد لقيادتها، فظهر زعماء أفذاذ كالاسكندر الأكبر ويوليوس قيصر وغيرهم فقادوا شعوبهم التي سارت ورائهم ولبت نداءاتهم ونفذت أوامرهم دون أدنى اعتراض!! كان مرض أحد منهم يمثل كارثة على شعبه ورغم ذلك كانوا يمرضون ويموتون كما بقية البشر وتستمر الحاية كما هو مرسوم لها! أهم تغيير أحدثه الإسلام في الحكم هو أنه وضع منهجًا للحكم ولم يتركه لقيادة فذة وزعامة متفردة ولو كان الأمر كذلك لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحق بقيادة البشرية أجمعها دون أن يكون له منافس!! وقد حذر المولى عز وجل من الوقوع في هذا الفهم الخاطئ وخاطب الناس من خلال نبيه الكريم «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم» جاء هذا الخطاب الرباني في أفضل من خلق من لدن آدم وإلى يومنا هذا، وهو بهذا يعلن للبشر أن المنهج هو الذي يبقى، والمؤسسات التي تنبع من المنهج هي التي تحكم لا الأشخاص الزاهدون!! وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المنوال «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي». المولى عز وجل وأفضل خلقه أكدا على أن الأمر واستمراره ليس مرتبطاً بحياة إنسان حتى ولو كان هذا الإنسان هو أفضل من خلق الله!! ليس من الإسلام في شيء أن نربط مصير أمة بأكملها بموت أو حياة أحد أفرادها، يقول البعض وهو بهذا يدخل في عالم الغيب إن زال النظام فإن البلد سينهار، وها هو يتمزّق ويستباح والنظام قائم لا تهدده معارضة بل الذي يهدده رغم صمود النظام هو الانقسام والتشظي وانقاص أرضه من أطرافها!! الموت هو الحق الوحيد الذي يضمنه الإنسان وفي ذات الوقت لا يعترف به بل يرفضه بينما يقاتل من أجل الحقوق الأخرى، كالبقاء حاكماً أبدياً ومنقذاً يقدم الآخرون أرواحهم ليبقى حياً ليظل حاكماً!! إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، والوحيد الذي أرجأه المولى إلى يوم القيامة هو إبليس بعد أن كتب عليه اللعنة واللعنة هي الطرد من رحمة الله والعياذ بالله، فلماذا يطلب الطغاة الأبدية وهم يعلمون علم اليقين أنها لن تكتب لهم!! مات العظماء: بمقاييس البشر وبقي البشر أن تعلق المعارضة الآمال على موت الرئيس ويعلق أنصاره على حياته دليل العجز الكامل الأمر الذي يعقد الأزمة، وكما أسلفت فإن وجود شخص بعينه على سدة الحكم ليس هو الإشكال، فالمشكل هو إحلال ذات الشخص مكان المنهج والمؤسسية، فيصبح هواه هو المنهج ورغباته هي المؤسسية، دون أن يكون لشعبه أدنى رأي ولا مشاركة!! وهذه الحالة تقود إلى عدم رضا الشعب بالنظام ويغيب بذلك إجماعه، وانعدام المشاركة، وهذه الحالة تقود للاحتراب والتشظي، وهذه حالة تسيل لعاب الآخرين للاستيلاء على أرض السودان وموارده الغنية، التي إن لم تستغلها فالآخرون مستعدون لاستغلالها والاستفادة منها!! الدور الرئيس يلعبه المنهج والمؤسسية ولا يلعبه شخص، فالإنسان معرض كما هو معلوم للموت، ليحل مكانه آخر، وليس بالضرورة أن يكون نسخة كربونية من سلفه، وتنتقل البلاد بين هوى هذا ورغبة ذاك فتذهب ريحها!! المولى عز وجل لم يترك الأمر كله لفرد حتى وإن كان نبياً مرسلاً، وهذا يتضح في الأمر الإلهي «وشاورهم في الأمر» بل خاطب الذين لا حول لهم ولا قوة وأعني بذلك المستضعفين، الذين حملهم مسؤولية كبرى «فيم كنتم» «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها!! كلها أسئلة تحتاج إجابة مقنعة ولا إجابة حتى وإن لم تكن مقنعة!! ما مصير هؤلاء؟ جهنم وساء سبيلا إذا كان هذا حال المستضعف فكيف يا ترى حال الطاغية؟! إن التدهور مستمر ولن توقفه صحة فرد أو مرضه أو انعقاد مؤتمر أو عدم انعقاده، حبطت الأعمال بسبب الفساد، رغم أن فرص الإصلاح كانت بلا حدود، ضاعت كلها، وليس هناك براح لفقدان ما تبقى من قليل فرص، إن السودان يقف في وضع غاية في الغرابة، فنظام الحكم فيه راغم كل الكوارث لا يتحمل أية مسؤولية وعلى عكس ذلك يحسب أنه إنما يحسن صنعا!! لا أحد يتحمل المسؤولية في السودان حاكماً كان أم محكوماً فمن المسؤول يا ترى؟