عدن تشاكسني بشارعها الطويل بالفل متقدًا على صدري بالمطر الخفي ينمو على جسدي ويتركني مصابًا باليباس عدن تشد على يدي وتقول لا تركن إلى طرف الرمال الأبيات السابقة للشاعر شوقي شفيق ابن عدن، المدينة التي تنام في كنف الأحلام، وعلى كف الأماني، وتتنفس نسيم البحر، عدن العاصمة الاقتصادية والتجارية لجمهورية اليمن حاليًا، وقد كانت العاصمة السياسية لجمهورية اليمن الديمقراطية قبل الوحدة التي التأمت في الثاني والعشرين من مايو العام «1990»، حيث وقع على بروتوكولاتها كلٌّ من علي صالح «شمالاً» وعلي سالم «جنوبًا»، سُمِّيت عدن بهذا الاسم نسبة للعدون ومعناها الراحة والاستجمام، وقد كان الحجاج من دولة الهند يقصدونها في طريقهم إلى بيت الله الحرام للاستجمام بها لطبيعتها الخلابة، عاشت عدن تحت وطأة الاحتلال البريطاني لمدة «128» عام وهي أطول فترة لاحتلال بريطاني في الدول العربية، كما أنها الدولة العربية الوحيدة التي حكمها الشيوعيون ل«27 عامًا»، عدن عبارة عن مجموعة من الجزر تربط بينها كباري أرضية وتضم في محيطها سبع محليات هي خور مكسر، كريتر، المعلا، التواهي، الشيخ عثمان، البريقة، المنصورة، لا يزيد عدد سكان عدن عن مليوني نسمة، اسبغوا على عدن صفة المدينة المتعددة الأعراق، نظرًا للتجانس الذي يعيشه أهل تلك المدينة وهم هنود، ايرانيون، باكستانيون، اثيوبيون، صوماليون، ومن محافظات جنوبية كحضرموت وشبوه وأبين والمهرة ولحج والضالع، ونازحين من شمال اليمن إبان عهد الإمامة، ويتداول العدنيون هناك حكاية قديمة من أن جبل صيرة الذي يقع في طرف خليج عدن هو مهبط أبو البشر آدم عليه السلام كما يرددون حكاية أن الفراعنة كانوا يتخذون من عدن سجنًا كبيرًا يرمون فيه عتاة المجرمين، عدن أفرزت سياسيين كبارًا عاشوا في أطرافها كالرئيس السابق علي سالم البيض وحيدر أبوبكر العطاس وهما من حضرموت وعلي ناصر محمد من أبين وعبد الفتاح إسماعيل وطه سعيد نعمان من تعز شمال اليمن وعلي عنتر من الضالع وغيرهم الكثير من قيادات الحزب الشيوعي، عدن مدينة مفتوحة بها البارات والحانات والخمارات وفيها صالات الرقص سواء في الفنادق الخمس نجوم او صالات عادية وفيها نوادي آخر الليل كنادي البحارة الذي يقع مركزه الرئيس في فرنسا في ذات الوقت توجد بها المساجد وحلقات العلم والشيوخ والعلماء، كما توجد بها الكنائس، ومقابر لليهود الذين تركوها وهاجروا الى اسرائيل وكذلك مقابر المسيحيين «بالمناسبة راتب حارس المقبرة المسيحية يأتي من بريطانيا وراتبه أكبر من راتب مدير بنك»، عدن الآن تقود حراكًا واسعًا سُمِّي بالحراك الجنوبي وهو يطالب فيما أسموه بالاستقلال من اليمن الشمالي وبفك الارتباط الذي أُعيد بالقوة إثر الحرب التى اندلعت في صيف العام 94 بعد أن أعلن نائب الرئيس السابق علي سالم البيض الانفصال، ويطالب أهل جنوب اليمن بالانفصال، وقد أنشأوا لهم الآن قناة فضائية هي «عدن لايف» يعبرون فيها عن أشواقهم للاستقلال كما يردد في القناة، وكما يقولون: فهم يشعرون بأنهم يعاملون بدونية ذلك أن مجتمع عدن بالذات يختلف عن جميع المحافظات اليمنية الشمالية والجنوبية الذي يرتكز على القبلية في الوقت الذي تقوم فيه عدن على المجتمع المدني، إضافة الى أن معظم الكوادر قد أصابها الفصل التعسفي إثر حرب 94، وبما أننا هنا لسنا في مجال عرض مطالبهم إلا أن هذا الحراك قد وجد أذنًا صاغية وهي ابن عمر المبعوث الأممي لليمن، الذي حث جميع الأطراف على الجلوس في حوار شامل. يعيش في عدن الآن ثلاثة سودانيين فقط بأسرهم ولا وجود لأي طالب سوداني في جامعاتها، وقد بلغ عدد الطلاب السودانيين في العام 2000 خمسين طالبًا، وكان هناك كيانان، الاول هو الاتحاد العام للطلاب السودانيين وكان برئاسة كاتب هذه السطور، وقوامه الحركة الإسلامية، والثاني هو رابطة الطلاب السودانيين، وهي خليط من شيوعيين وناصريين وحزب البعث حيث كان يشرف عليهم الدكتور مبارك حسن الخليفة الذي عاد الى السودان العام الماضي، لا اقصد الإشراف السياسي فقد كان الدكتور مبارك من أكثر السودانيين نصحًا للطلاب بأن يبتعدوا عن السياسة لأنهم في بلاد أجنبية الا انهم لم يستمعوا للنصح وبدأوا في استقطاب الطلاب الى الأحزاب العلمانية والملحدة، كانت مهمة الطلاب الإسلاميين عسيرة وصعبة آنذاك إذ ان عددهم نصف عدد الطلاب العلمانيين إضافة الى أن الأساتذة في الجامعات من السودانيين هم شيوعيون كمبارك حسن الخليفة والدكتور المتوفى محمد سعيد القدال» نسيب الشفيع خضر عضو اللجنة المركزية الآن فالقدال متزوج بأخته أم عزة، السودانيون هناك انتشروا منذ أن بدأت السفارة السودانيية بحجز مقاعد للطلاب الموجودين في اليمن في إطار المنح المتبادلة بين اليمن والسودان، وقد وصلوا الى خمسين طالبًا في أوج انتشار الطلاب الا أنهم تقلصوا حتى أصبحوا في العدم، وقد كانوا ينظمون المنتديات والاحتفالات والرحلات ويجلسون مع بعضهم كل خميس في مجلس عامر يتناولون القات ومعهم مجموعة من البحارة السودانيين الذين كانت سفنهم ترسو في ميناء عدن الذي يعد من أقدم الموانئ العالمية، وبهذه المناسبة أذكر ان الاستاذ هاشم محمد علي إدريس وقد كان ملحقًا ثقافيًا بسفارتنا بصنعاء جاء وأهله الى مدينة عدن لقضاء إجازة العيد وعندما ذهب الى الشاطئ انزوى بعيدًا عن طلاب الرابطة السودانية وهم ينظمون رحلة بنفس التوقيت وفي ذات المكان، فسألته لماذا لا تنضم الى الطلاب وبقية الأسر فقال، هل تريد أن يصورني هؤلاء الشيوعيون وأنا بمبلابس السباحة..