لا تحظى فرق كرة القدم للصم باهتمام المسؤولين في معظم بلدان العالم خصوصًا الوطن العربي، إلا أن العزيمة وحدها تجعلهم يتمسكون بحقوقهم في اللعب، ففي هذا العام أحرز منتخب مصر للصم والبكم المركز الثاني في بطولة العالم في تركيا بعد تأهله للمباراة النهائية أمام صاحب الأرض «تركيا»، هذا النجاح تم بإمكانات ضعيفة الأمر الذي جعل أحد لاعبي الفريق يكتب على مدوَّنته الإلكترونية: «الفارق بيننا وبين لاعبي كرة القدم العاديين أننا نلعب من أجل المتعة، لا نقود.. لا عقود.. لا إعلانات.. لا احتراف ولا كاميرات تصوير.. نفرح إذا اهتمَّ بنا وشاهدنا أحدُهم، لكن إذا لم يحدث فنحن قادرون على صنع البهجة بأنفسنا ولأنفسنا دون مساعدة من أحد» ومن الفرق المشهورة على مستوى الوطن العربي «فريق نادي الأمير علي» للصم بالأردن والساحل التونسي للصم، وفريقا ناديي الجامعة والوادي الجزائريين، وبصورة عامة فإن معظم الدول تمتلك فرقًا للصم وهنالك دوريات عربية وعالمية سنوية مشهورة تُقام في شكل منافسات منتظمة، لكن لم يسبق للسودان أن شارك في مثل هذه المنافسات لأنه لا يمتلك فريق كرة لهذه الفئة بصورة رسمية، إلا أن مجموعة من الشباب تحدوهم العزيمة ويدفعهم الأمل شكَّلوا فريقًا للصم بمدينة الفاشر يمتاز عن كل فرق العالم «حيث يكون الفريقان المنافسان من الصم» بأن يتباريا مع فرق لاعبي كرة القدم العاديين ويتم تشجيعهم بقرع طبول مريديهم فيلتهب حماسُهم للعب بفطرة المشاهدة عوضاً عن غياب السمع. متابعة بشغف للدوريات قد لا يصدِّق كثيرون أن «الأصم» يمكنه متابعة تفاصيل دوريات كرة القدم ومعرفة نتائجها أو متابعة أخبارها وجدولة مبارياتها وحركة وتنقلات اللاعبين ومستوياتهم الفنية بل والمناقشة حول سير مباراة بعينها وانتقاد المدرب والحكم وأداء اللاعبين، وذلك لأنَّ الأصم لا يسمع ولا يتكلَّم.. الإرادة وحدها كوَّنت فريق كرة قدم للصُّم بالفاشر، هم مجموعة من الشباب زرعوا الأمل مساحات جميلة بدواخلهم ليحل محل اليأس، لم يستسلموا للعاهة التي جعلتهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، رأيتُهم أول مرة قبل عامين يجلسون في «ضل العصرية» بدار المعاقين بالفاشر، كانوا يتناقشون في شتى المجالات: الدين والحياة السياسية وشظف المعيشة والرياضة ورداءة المدربين وظلم الحكام وعدم ولاء اللاعبين، ويتجادعون فيما بينهم بعشق انتماء كل منهم لفريقه المفضل، ويُصِرُّ كل واحد على إظهار محاسن لونه الرياضي، كل هذه المؤانسة بلغة الإشارة، إذا كنت معهم فلن تفهم شيئًا مما يدور، فالأيادي تعلو ثم تهبط وتتحرك الأصابع برشاقة تامة.. إذا أراد أحدهم أن يلفت رفيقه جذبه من طرف قميصه ثم يبادله الإشارة، فما إن يقول له موضوعًا لا تفهمه أنت لوَّح بيمناه نافياً أو انفجر ضاحكاً، وحده أحياناً وبمساعدة المجموعة أحياناً أُخر، وتصبح أنت الذي لا تفهم ما يقولونه بلغة الإشارة «أطرش في الزفَّة». تشكيلة الفريق لفت انتباهي انتظامهم فجأة وجلوسهم في دائرة مكتملة يحفُّهم الصمت العميق.. واحد منهم فقط يؤشِّر بكلتا يديه والبقية ينظرون إليه باهتمام بالغ، ثم علمتُ أن المجموعة في اجتماع عاجل للتخطيط لمباراتهم القادمة، أصابتني الدهشة «مباراة؟»، تحدَّث لي الطيب عثمان عبد الله الأمين الرياضي لاتحاد الصم حينها وأخبرني بأن الفريق قديم جداً منذ عام «2003»م إلا أنه قد توقف في فترة من الفترات لضعف التمويل وعدم وجود الإستاد المؤهَّل للصم والبكم لكنهم زاولوا النشاط من جديد بإصرار الشباب.. عبد اللطيف آدم إبراهيم الأمين العام لاتحاد الصم أفادنا بتشكيلة الفريق الذي يتكون من: «مبارك حسن رجب، ومحمد إبراهيم، وعبد العظيم الأمين أحمد» في حراسة المرمى، و«صلاح الدين محمد مصطفى، وعمر يحيى مانقو، ومحيي محمد علي» في المقدمة الهجومية، وفي الوسط: «موسى أحمد موسى، والسمؤال حمد موسى، ومحمد علي إسحق، والأمين حسن جمعة، والدومة محمد خميس، ومحمد محمدين آدم» وفي الوسط المهاجم «فارس عبد الله آدم، ومشرف عباس مرسال، وبحر الدين عبد الله مرسال»، و«معتصم علي بخيت، وأحمد الحاج يوسف، وجمال محمدين آدم» كوسط مدافع، وفي قلب الدفاع: «فيصل أحمد سعيد، ومحمد عبد الله حامد» و«الطيب عثمان عبد الله، ومحمد آدم داود وعبد اللطيف آدم إبرهيم والرشيد عبد الله موسى» وفي الدفاع بالطرف الأيمن: «ناصر سيف الدين حسن، ومجدي موسى هارون» و«موسى سالم علي» طرف أيسر، وهنالك مجموعة خارج التشكيلة الرسمية إلا أنها تلعب في خانات متعددة وهم: «صلاح مجدي موسى، ومحمد آدم داود ومحمد إبراهيم محمد، وصلاح إدريس أحمد، ومعتصم أبوبكر علي، وأحمد آدم هارون، ومحمد عبد العزيز حسن عبد الله، وعبد العظيم الأمين أحمد، والدومة محمد خميس، ورشيد عبد الله موسى، وأحمد الحاج يوسف، وفخري محمد الفاضل وقمر الدين آدم صالح إبراهيم وسليمان بابكر أحمد، والدومة عبد الله الدومة». كيفية أداء المباراة سؤال يدور بأذهان الكثيرين: كيف يتم إجراء المباراة والفريق كله لا يسمع ولا يتكلم؟ علمياً يجب أن تكون المباراة في إستاد به مرايات عاكسة لتجاوز مسألة السمع إلا أن ذلك غير متوفر بالسودان، وهذه من الصعوبات التي تواجه فريق الصم بالفاشر، وعالمياً لا يتم التحكيم للصم ب «الصفارة» إنما يتم الاستعاضة عنها بأربعة رجال خط في الأطراف باتجاهي الملعب اليمين والشمال، حيث يكون رجل الخط دائمًا سابقًا للاعب، وما إن يكون هنالك خطأ أو إيقاف للكرة إلا ورفع رايته منبهًا.. هذه الطريقة تُستخدم في التوجيه والتدريب أيضاً، لذا يجب على اللاعب الأصم أن يكون حريصاً على متابعة تحركات رجل الخط والحكم والكرة في آن واحد، أما في التمرير بينه وبين زملائه فيكون عبر رفع اليد ويستخدم في حالة تنبيه الحكم لتعرضه لمخالفة أو مخاشنة من لاعبي الفريق الآخر.. الآن الفريق يتنافس مع فرق الأحياء الأخرى وهنالك ترتيبات لإقامة منافسة بينه وبين فريق أساتذة الجامعة بحسب الأستاذ محمد آدم الأمين العام لجمعية المعاقين حركيًا والمترجم المتطوِّع للصم والذي أوضح لنا أن برنامج توحيد إشارات الصم بالدول العربية أوضح أن الإشارات الموجودة بالسودان متطوِّرة وكانت الأقرب للإشارات المتفق عليها بنسبة «60%» تقريباً إلا أن افتقار دُور الصم للمعلم والمترجم حال دون توصيلها للفئة المستهدَفة. إفادات اللاعبين تحدَّثنا لعدد من اللاعبين منهم صلاح محمد مصطفى وهو مهاجم رأس حربة ويوصف بأنه خطير جداً أفصح لي عن خوفه الشديد من ضربات المدافعين واحتكاكهم الخشن أوالمتعمَّد للحدِّ من خطورته، وأردف مبتسماً: ضيَّعت كم هدف فداءً لروحي.. أما مبارك حسن رجب فهو الحارس الأول لمرمى الفريق وعُرف عنه أنه صنديد وعنيد وذكي لمّاح ومتابع من الصعب أن يلج مرماه هدف.. حمد موسى حمد لاعب وسط يقول عن نفسه: «أنا أضاهي العجب في اللعب»، معظمهم شغوف جداً بالرياضة.. يقوم أحدهم وهو قد تعلم القراءة باقتناء بعض الصحف الرياضية يومياً ومن ثم يقوم بترجمتها للبقية بلغة الإشارة، وكان إبراهيم الخليل عثمان رئيس اتحاد الصم بالولاية الذي استطلعناه بالهاتف عدَّد المشكلات التي تواجه هذه الشريحة من عدم اهتمام المجتمع بهم بالذات الأطفال منهم، حيث يتم قفلهم في البيوت وبالتالي عدم مخالطة المجتمع وعدم وجود مدرسة تخصُّهم أو معهد يحتوي على متخصِّصين في المجال، مؤكداً أن الإمكانات الهائلة لهؤلاء كان سيجعل منهم عظماء إذا ما وجدوا الرعاية.