ضحك ذاك الشاب الثلاثيني حينما قلت له إنني انوي زيارة مدينة بوط عاصمة محلية التضامن غرب الدمازين، بعد أن تحلق طائرة النائب الأول لرئيس الجمهورية في سماء المدينة متجهة للخرطوم، بعد زيارته القصيرة للولاية، وطلبت منه تعليل ضحكته هذه، خاصة أنه كان جاد جداً معي وصديقي صلاح ونحن نجوب عاصمة بحر أزرق، فقال لي إن المرأة حينما يداهمها المخاض بتلك المناطق ربما تضع حملها قبل أن تقطع نصف المسافة من بوط إلى الدمازين، وهذا ليس بعداً عن عاصمة الولاية وإنما لسوء ورداءة الطريق الذي يبلغ طوله مائة كيلومتر ربما تزيد قليلاً، ولكن هذه المائة كيلو تعجز حكومة الولاية عن رصفها كما يعجز المركز والمستثمرون في محلية التضامن عن تقديم خدمة الطريق المعبد لتلك المناطق. إن طريق «الدمازين بوط» يجب أن يكون أولوية لحكومة الولاية والمركز والشركة العربية ووزارة المالية «المستفيد» الأكبر من تلك المناطق، إلى جانب وزارة الزراعة التي لها الكثير من المشروعات الزراعية في تلك المناطق، ولكن الزراعة في التضامن تحتاج للكثير حتى يستفيد الاقتصاد السوداني منها، فلا يعقل أن يكون وصول محصول التضامن عبر طريق يستهلك الكثير من الوقت والمال «من خلال الإسبير»، ولا يعقل إن تكون بوط تلك المدينة الصامدة في أغنى محلية بالنيل الأزرق تتعطش للأسفلت كما تشتهي الكهرباء وبعض الخدمات، مائة كيلو متر فقط تفصل عاصمة بحر أزرق عن أهم مناطق الإنتاج الزراعي، والكثير من مدن السودان تفصل عنها بسبب عدم توفر الطرق المعبدة التي تعتبر أساس التنمية السليمة. إن أهل أقدي وبوط وبك و.. و.. والكثير من المناطق الإنتاجية، تصرخ من أجل الطريق والخدمات المرهونة به، وبوط ينظر أهلها لأعمدة الكهرباء وهي تعبر مدينتهم متجهة للرنك، وهم أحق بها من أهل مدينة دولة جنوب السودان، وأهل بوط ينتظرون أن تقدم الدولة لهم ولها خدمة تعبيد الطريق الذي أرهق أهلها ودوابهم التي تهالكت بسبب رداءة الطريق. مائة كيلو متر ربما تزيد قليلاً تجعل تلك الديار أكثر أمناً وأرغد عيشاً، هي وعاصمة الولاية والخرطوم التي تغمض عينيها عن هذا الطريق الأمني والاقتصادي الذي يحقق الكثير لخزينة الدولة التي مازالت تنظر بعين ناعسة لهذه الثروة الخضراء في جميع ربوع السودان.