ما زال الدخان يتصاعد جراء حريق مصنع اليرموك، ذلكم المصنع الشاهق الشامخ الذي مخرت آلياته شوارع العاصمة إبان احتفالات البلاد، وصفق له الجمهور السوداني طويلاً إعجاباً بالمهندسين السودانيين وفخراً بالصناعة الوطنية التي قدمت عملاً مهماً يصب في مصلحة الوطن والمواطن، ويساهم في الذود عن سلامة البلاد، في وقت كثر فيه الأعداء والمتربصون، وفي وقت تسلحت فيه الدول بآخر صيحات الأسلحة وتقليعات الحروب من أسلحة بيولوجية وكيميائية وطائرات بدون طيارين، ونحن نحارب وتشن علينا الغارات من أجل صناعة البنادق والرصاص، ليتأكد لنا مراراً وتكراراً أنه حرام على بلابله الدوح حلال على الطير من كل جنس. إن عدوان اكتوبر 2012م على هذا المصنع والغارة الإسرائيلية عليه وهذا التطاول على بلادنا وحرمتها، هو انتهاك سافر لكل القوانين والقواعد والأعراف، وإن كانت دولة اليهود قد نهضت أصلاً على هذا البغي وتأسست على العدوان وسرقة اوطان الآخرين، ولإن اسندت ظهرها على حائط الدول الكبرى تستمد منها العون المادي والمعنوي والسند الأممي و «الفيتو»، لكن هذا لا يعني السكوت على الجرم والخنوع والرضاء على مثل هذا التطاول، بل علينا بوصفنا شعباً حراً أن نستمر في رفض هذا الوضع، وأن نعي جيداً أن الصمت وتمرير الحكاية والاستهانة بها هو أمر يجعلنا نرضى بسواها، بل وننتظر الضربات تلو الهجمات، ومن يهن يسهل الهوان عليه. والمطلوب أن يظل هذا المصنع في ذاكرتنا معلماً خالداً للتقدم الصناعي والتطور الذي حققناه حيناً من الدهر، واستطعنا من خلاله أن ننجح وننطلق، وإن كانت يد العدو الصائلة قد حطمته فإنها لم تحطم كبرياء النفوس وعزة الشعب السوداني، فسوف تستمر المسيرة ويشهق مصنع آخر أكثر تقدماً وأكثر تطوراً نستلهم منه قيمنا ونستفيد فيه مما وصل اليه العالم وما يتاح لنا من تقنية محجوبة، ذلك أن الأمم التي نهضت استفادت من كبوتها، واستفادت من إشكالاتها، وأهلنا يقولون «العترة بتصلح المشي».. فدعونا نجعل مصنع اليرموك حياً في ذاكرتنا وشامخاً أمامنا نستمد من ذكراه القوة والعزم للمضي قدماً في دروب العزة والتقدم.