شيخ الحركة الإسلامية السودانية الراحل الترزي محمد الحسن محمد علي، شيخ الحركة الإسلامية الذي نسيته الحركة الإسلامية وطوت كتابه ظاهراً وباطناً، حكاية شيخ الحركة الإسلامية تلك تستدعي إلى الذهن حياة أحد رموز الثورة الجزائرية حياة الترزي المناضل عيسى كشيدة. كان (عيسى كشيدة) ترزيَّاً (خيَّاط ملابس). كان دكانه في وسط سوق مدينة الجزائر العاصمة، في منطقة عامرة بالحركة والحياة، حافلة بضجيج البشر والسيارات وهرج ومرج الأسواق. شهد دكان عيسى كشيدة أول اجتماعات قادة الثورة الجزائرية وهم يرتبون لانطلاقة الثورة. أصبح دكان عيسى كشيدة منذ ذلك اليوم مكان اجتماعات الخلايا الأولى للثورة الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي الإستيطاني. تلك الثورة التي قدمت مليون ونصف شهيد وانتهت بطرد فرنسا من الجزائر. بعد انتصار الثورة الجزائرية تمّ ترشيح الرمز القيادي التاريخي في الثورة عيسى كشيدة لتولِّي منصب في الدولة. ولكن اعتذر كشيدة عن تولّي منصب موضحاً أنه بدوره في الثورة لم يقم بغير واجبه. خلافاً لما يحدث في كل الثورات الحقيقية، في السودان عندما جاءت الإنقاذ إلى الحكم لم يتمّ ترشيح أي أحدٍ من السابقين في العمل الإسلامي أو أي أحد من أبكار الحركة الإسلامية مثل محمد الحسن محمد علي لمنصب في دولة، بل أُهدى إلى كل واحد منهم مصحف كريم يوم 4/21/0991م. وذلك في اجتماع في منزل بالصبابي بحري. حيث ضمَّ الإجتماع أبكار الحركة الإسلامية السودانية. في فى إهداء المصحف الشريف الذي استلمه محمد الحسن محمد علي كُتِب مايلي: (نهدي إليك كتاب الله الذي وثقنا عليه أمس وعد الحق ونحقق به اليوم وعد الصدق ونرجو به غداً عافية الخير والحمد لله أولاً وأخيراً). كتب الترزي المناضل عيسى كشيدة مذكراته قبيل رحيله. وأشار فيها بالتوثيق إلى أسرار وحقائق الثورة الجزائرية. كان القيادي في الثورة الجزائرية محمد بوضياف مسئول خلايا الثورة الجزائرية في داخل جمهورية الجزائر وكذلك مسئول العلاقات الخارجية. كان محمد بوضياف نقطة الإلتقاء لخلايا الثورة الداخلية الناشطة داخل الجزائر وخلايا الثورة الناشطة خارج الجزائر. كان بوضياف يحمل الإسم الحركي (سي الطيب العربي). كان بوضياف يعقد اجتماعات الثورة في دكان الخياط (الترزي) عيسى كشيدة في وسط السُّوق. كان (سي الطيب العربي) يسير في مظهر عادي على الشوارع في طريقه إلى دكان (كشيدة)، وهو يحمل في يده كتاباً عادياً (رواية). كتب الترزي الجزائري عيسى كشيدة مذكراته وتمّ نشرها ووجدت مكانها اللائق في مكتبات الجزائر. ولا ينسى مَن قرأ تلك المذكرات عبارته (عبارة كشيدة) التي زانت كتابه: (إن التاريخ قد أكرمني). لكن لم تعرف بعد المكتبات السودانية أو غيرها كتاباً عن مذكرات الترزي محمد الحسن محمد عليّ، وامثاله من المناضلين العماليين الإسلاميين. كان الترزي محمد الحسن محمد عليّ يعمل ترزياً في الخرطوم بحري جوار بنك (الوحدة) بالقرب من سوق بحري. كان رفيقه في المهنة الشيخ عبد الكريم صالح وهو ترزي متخصّص في خياطة ملابس رجال الدين وقضاة المحاكم الشرعية وكذلك الزي الأفرنجي، وكان المحلّ باسمه. كان الشيخ عبد الكريم عضواً ناشطاً في حركة الإخوان المسلمين. وكان نشاطهم سريّاً ودعوتهم سريَّة. كان محمد الحسن محمد عليّ من أوائل المنتمين إلى حركة الإخوان المسلمين. وحتى رحيله بعد إثنتي عشر عملية جراحية، لم يفصح محمد الحسن محمد علي عن أسماء الذين بدأوا العمل السري للإخوان المسلمين في السودان في الأربعينات. عمل محمد الحسن محمد علي ترزي في مصلحة المخازن والمهمات. شارك محمد الحسن محمد علي، في تكوين أول مكتب عمالي للحركة الإسلامية. وقد شارك ذلك المكتب في ثورة شعبان 3791م عندما أعلنت (02) نقابة الإضراب العام ضد نظام الرئيس جعفر نميري، كان ضمن تلك النقابات أكبر وأخطر النقابات العمالية السودانية مثل السكة حديد والنقل الميكانيكي. كان في عهدة الشيخ المجاهد محمد الحسن محمد عليّ ماكينة طباعة لطباعة المنشورات، ولكن لم يكن أحد من (الإخوان) يعلم عنها شيئاً. كما كان القائد العمالي الإسلامي والزعيم النقابي الراحل سليمان سعيد يمتلك ماكينة طباعة بمنزله حيث قبضت عليه سلطات أمن الرئيس نميري وأودعته السجن مع رفاقه الأحرار. كتب (عيسى كشيدة) مذكراته، ولكن محمد الحسن محمد علي الذي أنفق (95) عاماً من عمره المبارك في العمل الإسلامي لم يكتب مذكراته. أيضاً رحل القائد العمالي الإسلامي الكبير سليمان سعيد إلى دار البقاء دون أن يكتب مذكراته، سوى خمس مقالات سجَّلها من حوار مباشر معه وأعدّها للنشر المفتقر إلى عفو ربِّه المعبود. أيضاً القيادي النقابي الإسلامي عبد الرحمن قسم السيد لم يكتب مذكراته أو عصير تجربته الغنية. وكذلك القيادي النقابي الإسلامي يوسف أحمد مختار لم يكتب مذكراته أو يسجِّل صفحات عطائه الكبير في العمل الإسلامي. وهناك قادة عماليُّون إسلاميون عديدون آخرون لم يكتبوا بعد تجربتهم الثرَّة في العمل السياسي والنقابي الإسلامي. عدم كتابة أولئك القادة العماليون لتجاربهم يضع الحركة الإسلامية السودانية في موضع من اختطفها خريجو الجامعات (يسمُّون أنفسهم المثقفين). حيث تمّ إبراز أدوارهم كأنهم العنصر التكويني الوحيد في الحركة الإسلامية. فغطى ذلك على أدوار الفعاليات الحركية الأخرى، حيث تمَّ حجب وإنكار وإهمال أدوار العمال والتجار الذين لعبوا أدواراً حيوية ضخمة في الحركة الإسلامية السودانية. شارك محمد الحسن محمد علي في مظاهرة بتاريخ 41/ يناير 4591م احتجاجاً على إعدام القيادات الإسلامية في مصر، وأصيب في تلك المظاهرة بطلق ناري في رجله، حيث ظلَّ ذلك الجرح ينزف خمسين عاماً، أجرى خلالها القيادي الإسلامي الراحل دون جدوى (21) عملية جراحية آخرها في عام 1998م. ظلّ جرح الرصاصة يدمي خارج جسمه خمسين عاماً، حتى رحيله. كذلك ظلّ جرح عدم الوفاء الذي أبدته الحركة الإسلامية نحو شيخ الحركة الإسلامية وأبكار الحركة ينزف بداخله حتى انتقل إلى جوار ربه. ألا رحمة الله الواسعة على محمد الحسن محمد عليّ. اللهم تقبَّله في الفردوس الأعلى.