ونواصل الحديث عن محاكمة المقدم حسن حسين قائد انقلاب 5 سبتمبر 1975م.. وفي ذات صباح، وقبل انعقاد الجلسة، قام عباس برشم بلوم ممثل الاتهام بكري سر الختم بطلب الإعدام للمتهمين، وبكل انفعال شديد، وإجابة سريعة، قال المستشار بكري سر الختم «ممثل الاتهام» دا كلام جرايد وأنا لم أطلب لكم الإعدام بل قلت للصحيفة إن المادة التي وضعكم تحتها الاتهام هي الإعدام للمتهمين. وأنا بالتالي لم أطلب إعدامكم. وهذا افتراء عليّ. كشف القيادي بحزب الأمة بكري عديل في لقاء معه في جريدة «الإنتباهة»، أن الإخوان المسلمين كانوا مؤيدين للحركة، وأنه وقيادات كثيرة بحزب الأمة على علم بكل ما خطط لتنفيذ الانقلاب. وأفاد أنه كان عليه أن يلتقي الصادق المهدي وعمر نور الدائم في لندن، وبالفعل التقى بهما في لندن واجتمعوا وتم الاتفاق على كل الخطط. وذكر أن الاجتماع ضم محمد موسى إدريس الذي خرج من السودان بواسطة رئيس جهاز الأمن عمر محمد الطيب. كانت زوجة المقدم حسن حسين السيدة نوال قباني سليلة أسرة قباني العريقة في الأبيض، مقيمة في عطبرة أثناء جلسات المحاكمة، وكانت كل صباح تحضر إلى معسكر سلاح المدفعية الغربي لتقابل زوجها المقدم حسن حسين في مكان اعتقاله الذي يقع قرب منزلنا، وكنا دائماً نشاهدها تحمل إما ترمس شاي، أو شنطة ملابس، إما مدنية أو عسكرية لان المقدم حسن حسين كان يلبس البدلة العسكرية في أثناء المحاكمة، وعلى كتفه دبورة وصقر، وكان يعتز بذلك كثيراً.. كانت زوجة المقدم حسن حسين دائماً في حضورها لمقابلة زوجها في المعتقل من خلال سلك شائك، تحمل طفلاً ذكراً على جنبها، وكما يبدو أنها كانت حاملاً بآخر لما كنا نرى من علامات الحمل.. وكنا قد خرجنا من آخر جلسة يوم 25-1-1976م كالعادة على أن نعاود مرة أخرى حين إعلان جلسة أخرى، وكالعادة أيضاً جاءت زوجة المقدم حسن حسين لزيارته صباح 26-1-1976 وفوجئت بأن المتهمين ال«22» تم إعدامهم فجر اليوم بمنطقة خلوية شرق مدينة بربر شمال شرق مدينة عطبرة تسمى وادي الحمار. كان المنظر جد أليم، وكانت مفاجأة كبيرة غير متوقعة واختلطت المفاجأة بالحزن، فإذا بها ترمي ما بيدها من أغراض وكذلك إبنها حسين الذي كان عمره وقتها 3 سنوات الذي حتى الآن لا يتذكر وجه أبيه وأخته التي جاءت بعد إعدام والدها ولم تحظ بقبلة على جبينها من والدها، ولم تحظ أيضا بأذان في أذنها اليمنى ولا إقامة صلاة في أذنها اليسرى وعادة ما يقوم بذلك الوالد. ولكن الله تولاهم جميعاً. فالابن حسين مغترب بالرياض خريج حاسوب ومعلومات ومتزوج وله ابن وبنتان. والابنة نضال حسن حسين أستاذة جامعية في مدينة عرعر بالسعودية ولها طفلان حسن وليده وحسن هذا تيمناً بوالدها التي كانت تتمنى أن تراه. لم يكن المقدم حسن حسين رحمه الله ضابطاً أو شخصاً عادياً، فكان ضابطاً ملتزماً، يحب السودان حباً كبيراً، مما دعاه لأن يكون فرداً من أفراد القوات المسلحة ليؤدي من خلالها ضريبة الوطن. وكان ابن الأسرة العريقة أسرة القاضي العربي المعروفة في الأبيض، نشأ وترعرع بها، وأخذ من طيبة أهلها. وقد كان مسلماً ملتزماً يؤدي فرائضه على أكمل وجه، يحب الخير لأهله، مواصلاً تحدث الكل عن أخلاقه ودماثة معشره وطيبته. ونواصل في الحلقة القادمة عن المحكمة الثانية وما رافق ذلك من أحداث في الحلقة الخامسة.