بعد مرور أكثر من أسبوع من الجدل والتشكيك حول حقيقة ما أسمته السلطات «المحاولة التخريبية»، بات واضحاً أن كثيراً من أوجه الغموض بدأت تتكشف شيئاً فشيئاً، ليصبح السيناريو الراجح في مجمله هو، أن هناك حالة تململ داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وحاجة ماسة للتغيير، حتى اقتنع الجميع داخل الحزب أن التغيير أصبح مسألة وقت ليس إلا، وعلى نحو، جعل كل واحد من تيارات الإصلاح يرى في نفسه أنه المهدي المنتظر والمخلص والمنقذ من حالة التردي الظاهرة والمستترة، الأمر الذي جعل السباق نحوالتحرك العسكري لقلب النظام مبرِّراً لاستباق الآخرين الذين تنامى لديهم ذات الطموح، وهو تبرير استنه انقلاب 30 يونيو نفسه، عندما زعم أن عناصر انقلابية من اليسار والبعث كانت تخطط للإطاحة بحكومة الصادق المهدي، وأن انقلاب الإنقاذ جاء ليقطع الطريق أمام هؤلاء، وهو سيناريو يتكرراليوم من إفادات الذين أشارت إليهم أصابع الاتهام رغم اختلاف الظروف، والأشخاص والاتجاهات. ساعتان مع الرئيس حول الفساد حالة التململ والحاجة للتغيير، عبرت عن نفسها على الصعيدين السياسي والعسكري، وبشكل قوي وصارخ ومثير للاهتمام والجدل، فعلى الصعيد السياسي كان تتابع المذكرات المطالبة بالتغيير، كمذكرة الألف أخ، ومذكرة الإصلاح الشامل، ومذكرة الهيئة البرلمانية التي تقدم بها غازي صلاح الدين وآخرون عن الأوضاع المتردية القائمة، بما فيها الفساد، وهي المذكرة التي سلمها غازي وإخوانه للرئيس البشير، وناقشوا ما فيها خلال جلسة استمرت ساعتين... وبلغ الأمر ذروته قبيل وبعد مؤتمر الحركة الإسلامية، حيث رفضت «6» تيارات مخرجات المؤتمر الذي ابتلع تلك التيارات، بينما استعصى عليه بعضها.. ثم بدا الأمر أكثر جلاءً، واتضحت معالم الثورة والحاجة للتغيير من خلال تنظيم المجاهدين والشباب «السائحون» الذي بات تياراً كاسحاً في أوساط شباب الحركة الإسلامية يرفض بشدة الأوضاع القائمة، وحالة الترهل الإداري والاسترخاء الأمني والفساد المستشري، وأخيراً ظهر إلى العلن ما يسمى ب«تيار الإصلاح» داخل المؤتمر الوطني، وهو تيار يؤازر أفكار الدكتور غازي صلاح الدين ويشاطرها ويدعمها بقوة، ومعلوم أن هذا التيار كل أفكاره مستوحاة من الكتاب الذي أصدره الكادر الشبابي في الحركة الإسلامية عبد الغني أحمد إدريس، صهر الدكتور غازي صلاح الدين، حيث انتقد عبد الغني الأوضاع القائمة بشدة، وهي أفكار يبدو أنها أصابت كثيراً من قيادات «الوطني» بصداع نصفي، في حين علَّق عليها الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل بقوله: «إن ما جاء في الكتاب معلومات ملفقة وكاذبة، أراد مؤلفها أن يقول كل الناس خطأ ما عدا غازي صلاح الدين».. الخطوة المربكة: أما على الصعيد العسكري، فقد عبرت حالة الململة والحاجة للتغيير عن نفسها بالمحاولة الانقلابية التي اتهمت بها السلطات، قيادات عسكرية منتمية إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم نفسه أمثال قوش وود إبراهيم، غير أن الجنوح إلى حسم الصراع داخل الحزب الحاكم عن طريق الانقلاب العسكري، قد كان عصياً على الفهم، ومربكاً لكثير من المحللين السياسيين، نظراً لشح المعلومات، وضعف المبررات في سياق الفهم الطبيعي، الأمر الذي يستدعي تكرار السؤال الجوهري: بم يُفسر تحرك عناصر عسكرية داخل الحزب لتغيير النظام عسكرياً؟! للإجابة عن السؤال المطروح يمكن الوقوف عند ثلاثة سيناريوهات يمكن أن تفسر«المحاولة»، وتكشف أوجه الغموض: صراع العسكر والسياسيين ٭السيناريوالأول: ربما شعر بعض العسكريين بتحركات بعض السياسيين داخل المؤتمر الوطني، وإمعانهم في إتجاه موضوع خلافة البشير، إبان تواتر الشائعات حول مرض الرئيس، خاصة وأن بعض السياسيين شرعوا عملياً في ترتيبات سد«الفراغ» المرتقب، ولعل نائب رئيس البرلمان هجو قسم السيد كشف عن هذه الترتيبات بوضوح. وخاضت بعض الصحف معارك حول«الخلافة»، الأمر الذي ربما أثار رعب أولئك النفر من العسكريين أصحاب الانقلاب الذين ربما رأوا ضرورة استباق أمر«الخلافة»، واستلام السلطة قبل نضوج طبخة السياسيين. ٭السيناريو الثاني: وهو البعد الخارجي، هذا السيناريو لا يمكن تجاهله رغم ضعف المعطيات الموضوعية التي ترجحه، غير أننا ونسبة لحساسية الموضوع نكتفي فقط بهذه الإشارة فقط. ٭السيناريو الثالث: ربما أن هناك عناصر من السياسيين والعسكريين رافضة لكل الاتفاقيات مع الجنوب، وترى أن هناك فخاً دولياً نُصب للجميع من خلال هذه الاتفاقيات لتفكيك حكومة الوطني ومحاكمة رموزها، وربما رأت أن المخرج هو الانقلاب على الاتفاقيات«الفخ»، وعلى حالة «الوهن» والرضوخ الذي بدا على الوطني.. ربما.. ربما.. والله أعلم.