في الوقت الذي تراجعت فيه الحروب بين الدول عما كانت عليه سابقاً بعد أن عانت البشرية من ويلات الحروب والدمار الذي لحق بها بعد الحربين العالميتين، لجأت معظم الدول إلى حل النزاعات بالطرق السلمية في شكل وساطات ومعاهدات والتزامات تجنُّباً لأي حرب، لكن ظهر نوع من الحروب الداخلية وازداد الصراع الدموي وخلّف آثاراً اقتصادية واجتماعية أكثر من الحروب بين الدول، وتعيش إفريقيا أزمة داخلية عجزت تماماً عن إيقاف النزيف الدموي والإبادة الجماعية والقتل والتشريد الذي تسبب في انهيار مؤسسات الدولة في تلك المجتمعات في الضعف أفقدتها القدرة للتصدي بقوة وفعالية لهذه المشكلات الداخلية، مما أدى إلى زيادة حالات العنف وانتشار الجريمة المنظمة والفساد والاغتصاب والسرقة والنهب المسلح إلى جانب نمو الحركات الإرهابية وانتشار الأسلحة بين الشباب مما أدى إلى تعرُّض الدول للتطرُّف السياسي والديني مما تسبب في خطر وأمن وسلامة المجتمع الدولي ولذلك أطلق اصطلاح «الدول الفاشلة» على هذه الدول العاجزة عن أداء وظائفها فيما يتعلق بسلامة مواطينها والمحافظة على أمن العالم من الإرهاب والتطرُّف الذي يأخذ من هذه الدول قاعدة انطلاق لتنفيذ مخططاتها الإرهابية. و«الدولة الفاشلة» تفتقر إلى أبسط مقومات الدفاع عن أرضها والدفاع عنها ضد أي عدوان خارجي أو داخلي إلى جانب افتقادها إلى قوة دولية شرعية تستطيع بواسطتها تعبئة الرأي العام لمساندة قضاياها وتأييدها. لكن المشكلة الحقيقية ليست غياب قوة الدولة أو ضعفها عن الفعل بقدر ما هو غياب حقوق الأفراد وعدم وجود قواعد وقوانين ملزمة تكفل حماية المجتمع من الإجراءات التعسفية. كثيراً ما تلجأ الحكومة كذريعة للتدخل في إخماد التظاهرات وإصدار قانون الطوارئ والاعتقالات لأطول وقت. وفي تقرير نشرته مجلة السياسة الخارجية بتاريخ 8 سبتمبر عام 2005م يقدّر عدد الدول الفاشلة في العالم بستين دولة أغلبها من إفريقيا وقد أثارت هذه الدراسة جدلاً كبيراً وسط الباحثين في التكيف السياسي للفشل خاصة أن البحث ينظر للفشل من زاوية فاعلية القوانين السائدة في الدولة وعدم كفاءة النظم والمؤسسات ومؤسسات المجتمع المدني العاجزة عن كبح هذه المشكلات. وفي مقال نشرته جريدة الإندبندنت البريطانية بتاريخ 19 أغسطس عام 2004م للكاتب البريطاني أدريان هاملتون عن مفهوم الدولة الفاشلة الذي أصبح مصطلحاً شديد الانتشار بين الشعوب والحكام، فيرى من جانبه أن هذا الاصطلاح لا يساعد كثيراً في فهم الأوضاع في العصر الحديث بل أحياناً يستغله بعض السياسيين والمعارضين لمواجهة خصومهم، فبعض رجال السياسة يعتبرون إفريقيا كلها فاسدة حسب رؤيتهم للذي يجري داخل إفريقيا من مشكلات مزمنة عجزت معظم الحكومات من حلها في التصدي للفساد وتجارة المخدرات والاختطاف وغسيل الأموال والتهريب وتهريب الآثار وتعتبر كل هذه الأشياء من الممارسات السالبة التي تمنع الاستقرار الداخلي وتسيء إلى العلاقات الدولية بين دول الجوار، كل هذه العوامل كانت كفيلة في الحكم بفشل الدولة أمام الرأي العالمي. وقد أجريت مجلة الديمقراطية الآن حواراً مطولاً مع المفكر الأمريكي تشومسكي حول الدول الفاشلة وقال إن هذا المصطلح صاغه الأمريكان بعد تراجع استعمال بعض المصطلحات الأخرى مثل الدولة الإرهابية والدولة المارقة إلى جانب بعض التسميات تمشياً مع سياسة أمريكا بقصد تعبئة الرأي العام والجمهور ضد الدول التي لا تسير في ركب السياسة الأمريكية والوقوف في وجهها مثل كوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية، ومن العجيب أيضاً أن تشومسكي يتهم أمريكا بأنها مثال للدولة الفاشلة من ناحية سياسة أمريكا الخارجية ونظرتها للدول الأخرى، فأمريكا لا تعترف بالقوانين الدولية بل تتغافل عنها وتحايل عليها إذا تعارضت مع مصالحها الخاصة ومثال ذلك شن الحرب على العراق دون اللجوء لمجلس الأمن خوفاً من حق الفيتو الذي قدمته فرنسا كما أنها كثيراً ما تلجأ لاستعمال قوتها العسكرية في مواجهة بعض الدول بغرض احتمال أن هذه الدول تشكل خطراً على أمنها متخذة ذريعة لشن حرب وقائية تكفل لها الأمن والسلامة دون الاهتمام بالرأي العام العالمي وما يحدث من آثار دولية، كذلك تقف ضد بعض المصالح الحيوية التي تهدد سلامة العالم مثل موقفها من قضية الاحتباس الحراري وهناك آراء في أمريكا تشدد الوقوف ضد الدول الفاشلة التي ليس لها حق في الوجود بزعم عدم قدرتها على أداء وظائفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية إلى جانب احتمال أن تدفع هذه الأوضاع المتردية إلى قيام الحركات الإرهابية واختطاف الطائرات والعمليات الانتحارية مستهدفة الدول الناجحة وتساعد على العنف وتهديد السلام العالمي مما يعطي الضوء الأخضر للدول الكبرى للتدخل عسكرياً وسياسياً في شؤون الدول الفاشلة بحجة تأمين سلامتها وأمنها ضد هذا الخطر المحتمل الوقوع بالرغم من أنه اتجاه خطير غير محمود العواقب لكنه أصبح أمراً واقعياً في مواجهة هذه الأعمال الإرهابية وهذا التدخل يدفع مزيداً من العنف والقتال ضد الدول الكبرى ويزيد التوتر بين الشعوب ومشكلة الدول الفاشلة تعاني أولاً من فساد الحكام وسرقة المال العام والصرف في غير موضعه والاختلاسات وإعفاء الكفاءات بحجة الصالح العام وتعيين الموالين للحزب الحاكم فهي السبب الرئيس لفشل الدولة. هذه الأوضاع تثير قلق المجتمع الدولي إذا ظلت هذه الدول الفاشلة على حالتها كما هي دون تقدُّم أو استقرار وهذا الفشل ينذر بزوالها نتيجة للتقدُّم العالمي الحديث ومدى ما وصلت إليه الدول الكبرى وتخطيها مساحات واسعة في مجال التكنولوجيا والاتصالات وصناعة الأسلحة واكتشافاتها اليومية دون توقف. ومما يؤزم موقف الدول الفاشلة خطورة الوضع القائم في الدولة وتعرضها لانقسامات داخلية حزبية تهدد وحدة كيانها القومي وظهور النزعات الانفصالية ومطالبة الحكم الذاتي وقد يؤدي هذا الصراع إلى جرِّ البلاد إلى حرب أهلية، ومن أكبر المخاطر التي تتعرّض لها الدول الفاشلة هو الصراع الديني كوسيلة للوصول إلى كراسي الحكم وفرض قيود باسم الدين على حرية العقيدة والإرادة ومحاربة بقية الأديان وكبت الحريات علماً بأن الحريات في نظر الدول الناجحة أحد أهم الأسس التي يقوم عليها النظام الديمقراطي الذي يؤمن بنظرية الانفتاح على كل التيارات والاتجاهات الفكرية وحرية الأديان وأن أسلوب حياة الأقاليم وما يعانونه من مقومات الحياة الضرورية وسوء الأوضاع الاقتصادية وتدهور مستوى الحياة بالنسبة لغالبية الشعب وجشع الحكام والسماح لذويهم ومعارفهم باللعب بممتلكات الدولة والتطاول على حقوق الآخرين ولجوء الحكام لأسلوب القمع والقتل والتشريد في مواجهة الآخرين وانعدام الثقة والتجانس بين الحكومة والشعب. ويرى الخبراء والباحثون أن الدولة التي لا تسير في ركب التقدُّم العلمي الحديث والاستفادة من التطور التكنولوجي تعتبر دولة فاشلة بكل المقاييس لكن هناك آراء كثيرة عددت فشل هذه الدول في أسباب رئيسة كانت السبب الحقيقي لما حلَّ بها من استعمار سرق مقوماتها وممتلكاتها ونهب خيراتها وحرمها من التعليم وزرع الفتن بين أبنائها وميّز البعض عن الآخرين وحرّضهم ضد بعضهم، كذلك هناك بعض القيود التي تفرضها الدول المتقدمة على الدول النامية، منها عدم تداول المعرفة وحجب وصولها للدول المتخلفة من تقنيات حديثة واختراعات إلى جانب عدم مساعدة تلك الدول في توفير الطاقة النووية لتوليد الكهرباء والأغراض السلمية وكثير من المقومات التي ترمي في نهاية الأمر إلى بقاء الدولة الفاشلة في مستوى الفشل، وقد فطنت كثير من دول العالم لحجب تلك المعلومات والتقنيات العالية وأصبحت هذه الدول مستقبلة لكل اختراع وتسويقها في أراضيها بعد أن كشف مغزى ومفهوم الغرب في جعل هذه الدول متلقية وغير قادرة على مسايرة التكنولوجيا الحديثة. هذه الأوضاع المتردية التي تعيشها الدول الفاشلة تثير قلق المجتمع الدولي في الخوف من زوال تلك الدول نتيجة للتقدُّم الذي تحرزه الدول الناجحة يومياً والفارق الكبير بينهم وبين تلك الدول، وكثيراً ما تعسَّر طلاب الدول الفاشلة في الانضمام للجامعات الغربية والإمريكية نتيجة الفارق العلمي بينهم وبين تلك الدول وعدم استيعابهم وتقبلهم مستوى الطفرة الحضارية. وفي تقرير نشرته مجلة السياسة الخارجية بتاريخ 1 أغسطس 2007م يقول التقرير: إن أشد الدول ضعفاً وفشلاً يمكن أن تكون مصدر خطر على العالم كله، وأن الاستقرار السياسي لم يكن محدوداً في نطاق الدولة جغرافياً، بل يتجاوز كل الحدود الجغرافية والسياسية ولم يصبح البعد المكاني عامل أمن في ذاته من الأخطار التي أصبحت تنتقل بسهولة عبر الكرة الأرضية مثل القرصنة في البحار واختراقات المواقع الإلكترونية الحساسة بالدول المتقدمة إلى جانب ما يقوم به موقع ويكليكيس في نشر الفضائح والمستور. ويرى الباحثون أنه لابد من إيجاد إستراتيجية موحّدة لتدعيم الدول الفاشلة والانتقال بها خارج نطاق الفشل وكيفية انتشال الدول الفاشلة من الزوال الدولي وإعادة سيرتها إلى ما كانت عليه لأن انهيارها يهدد التوازن الدولي. لكن السؤال المهم يتوقف على مدى إدراك القائمين على أمور الدول الفاشلة بفهم الأخطار التي تحيط بهم وبالعالم كله من جراء الأوضاع الداخلية السيئة والأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي قد تدفع بها إلى حافة الانهيار والسقوط وكيفية استعادة التوازن الداخلي والتغلُّب على كل هذه المشكلات دون الاستعانة بأي قوى خارجية والقبول بدخول قوات أجنبية أراضيها، كما نشاهده الآن في إقليم دار فور، ولا شك أن الأوضاع المتردية وفقدان الأمن في الدولة الفاشلة تدعو منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني بالمطالبة بالتدخل الدولي ومجلس الأمن الذي يرحب بتلك الفرصة وإصدار قرارات تحت ستار المحافظة على سلامة المتضررين وأمن العالم وتمكين الشعوب وحمايتهم في وجه استبداد السلطة الحاكمة وإصدار قرارات وقيود اقتصادية ضد الدولة الفاشلة وتحجيمها والسماح للمنظمات الدولية بالدخول وهي متعددة الأهداف والنوايا وهي لا تظهر على الساحة إلا بعد أن تكون الأمور قد أفلتت من يد الدولة ويصعب التحكم فيها. والتدخل الاجتماعي له آثار سلبية كثيراً ما يؤدي إلى ازدياد العنف والخروج عن قواعد القانون والأخلاق وتبادل الاتهامات وتفاقم النزاعات المسلحة التي قد تصل إلى حد الإبادة الجماعية للقضاء على الجماعات المناوئة ضد التدخل، ورغم كل ذلك لا يزال المجتمع الدولي يفتقر إلى الدعم المالي والأدبي والمؤازرة السياسية من الرأي العام العالمي لكي يتدخل لإبعاد ذلك التدخل وحدوده ومراميه نسبة لطبيعة الاستجابات والمبررات من السلطات الحاكمة وشعوبها التي تتأثر بالدعايات الكاذبة المغرضة التي تهدف إلى تحقيق مصالح خاصة لا تتفق مع المصلحة العامة. وللمفكرين والباحثين آراء وأقوال مأثورة حول ما يحدث في العالم الثالث المتخلِّف وأول من أطلق مصطلح «العالم الثالث» على الدول المتخلفة هو الفريد سوفيه عام 1956م وأطلق هذا المصطلح على قرار التعبير التاريخي للطبقة التي لا تنتمي لرجال الدين والنبلاء ولكن زاعت شهرة هذا المصطلح عندما ردده الرئيس الهندي جواهر لال نهرو في خطاباته في المؤتمرات الدولية، وقال الخبير الدولي رنست ماير واصفاً الدول الكبيرة بالاستعلاء والهيمنة والذكاء والتفوق على الآخرين محذراً الدول الكبرى بعبارة لطيفة تقول إن ارتفاع ذكاء الجنس البشري ليس ضماناً كافياً لاستمرار حياته في الوجود والخنافس والبكتريا أكثر قدرة على البقاء في الوجود من البشر. أما المفكر تشومسكي فيرى أن الجنس البشري هو المخلوق الوحيد بين الكائنات يسعى جاهداً على تدمير نفسه بنفسه، عن طريق الأسلوب والاختراعات المدمرة وتعامله مع الآخرين، فهل يا ترى تعي الدول الفاشلة فهم هذه الأقوال وتعمل على تلافي أسباب تدهورها وإنقاذ نفسها وشعوبها من حالة التردي؟ فنحن في سوداننا الحبيب هل يا ترى نحن ضمن الدول الفاشلة بعد أن خرجنا من دور الأربعة في بطولة الكونفدرالية وكذلك خروجنا من تصفيات كأس العالم على يد جارتنا إثيوبيا، أم عدم توفر المواصلات بالعاصمة وأكوام الزبالة المتراكمة، أم أننا ضمن الدول الناجحة لأننا طبقنا الشريعة وحاربنا الفساد وفصلنا الجنوب وأرهبنا أمريكا وعلى العاقل أن يميز.