أنا لن أعيش مشردا..أنا لن أظل مقيدا لي غد وغداً سأزحف ثائراً متمردا أنا صاحب الحق الكبير.. وصانع منه الغدا.. أنا ثورة كبرى تزمجر بالعواصف والرَّدى.. أنا نازح داري هناك.. وكرمتي والمنتدى وطني هناك ولن أظل بغيره متشردا.. سأعيده وأعيده وطناً عزيزاً سيدا سأزلزل الدنيا غداً.. وأسير جيشاً أوحدا لي موعدٌ في موطني.. هيهات أنسى الموعدا فديتك هل نسيت القدس والسحر الذي فيها وأوقاتاً قضيناها هناك على روابيها.. نطوَّف في شعاب الحبّ في شتى ضواحيها ونلهو ما حلا لهوٌ ونمرحُ في مغانيها.. منذ فجر أيام الصبا والطفولة الأولى، ونحن في المدارس الابتدائية والإعدادية تفتحت عيوننا.. ونما إلى أسماعنا نكبة أمتنا في فلسطين.. في الأقصى.. في القدس.. حيث قبلة الإسلام الأولى.. حيث مسرى خاتم النبيين رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم حيث مزارع وحقول الزيتون المبارك الذي أقسم به الله تعالى في كتابه المبين المعجز قال عز وجل «والتين والزيتون».. عهدنا هذه الجراح وآلام ذلك الضيم ومرارة الظلم والاحتلال من خلال تلك القصائد والأناشيد التي درسناها ولحناها ورددناها .. وكنا نرددها وننشدها كل يوم في نشاطنا الصباحي عند «الطابور» قبل الحصة الأولى.. ونرددها وننشدها ونتسلى بها فنسر ونفرح ونحن وقوف داخل الفصل عندما يدخل علينا معلم اللغة العربية.. معلم الأناشيد هكذا كنا نناديه أو يناديه بعضٌ منا، كان معلم الأناشيد يشرح لنا في هدوء ويروي لنا في أناة أن أهل فلسطين، وأن الأطفال مثلكم قد شُردوا وطُردوا من ديارهم قسراً وظلماً.. شردهم الاحتلال اليهودي.. خرب ديارهم.. وأحرق مزارع الزيتون.. وحاصر المسجد الأقصى.. حفرت هذه القصص وتلك الروايات جداول عميقة في ذاكرتنا.. في نفوسنا.. في وجداننا .. شعورنا واحساسنا في تلك الأيام الفائتة الخالدة، ونحن لا نزال ناعمة أظافرنا ساذجة أفكارنا.. قليلة همومنا، لكن هذا لم يكن ينفي أننا قد أحسسنا هذا الظلم، وذقنا مرارة التعدي والاحتلال من خلال ما يُحكى لنا ويُقص من قبل معلم الأناشيد، كان يصور لنا هذه فلسطين وهؤلاء هم أطفالها يشردون ويطردون من مدارسهم ورياضهم ومزارعهم، فكانت تتجسد وتتشخص في أذهاننا وخيالنا وأغوار وجداننا تلك صور المأساة والحرمان والأذى.. فنمت في نفوسنا دوافع الحقد والكراهية والهم بالثأر من هؤلاء اليهود الغاصبين المعتدين الأغلاظ الأفظاظ. كبر في نفوسنا الأمل، وتكثف الإحساس، وحل فيها الغضب وهو موّار.. غير أن لين السواعد وقلة سني العمر تحرمنا أن نسافر لنقاتل لنآزر أطفال الحجارة في فلسطين فكنا ننطوي على ألم وشجن وجوى يشوي النفس كأنه لظى.. فنخفف لظى آلامنا هذه عندما ندخل في معارك وهمية نتخيلها أننا نخوضها مع اليهود.. ننقسم إلى فريقين وعلى رأس كل فريق «جيش» قائد.. نسلم حقائبنا المصنوعة من قماش «الدمور» لبعض زملائنا الذين لا يريدون ما كنا نسميه بيوم الحرب، وذلك في نهاية كل أسبوع وغالباً ما يكون يوم الخميس نهاية اليوم عند خروجنا من المدرسة متجهين نحو القرية، وكنا نسمي تلك الساعة «بساعة البيوت».. بين المدرسة والقرية سهول ووديان وجبال وخيران وأشجار كثيفة وحشائش غزيرة خاصة في فصل الخريف وأيام الحصاد.. كان بعضنا يسير إلى المدرسة من القرية سيراً على الأقدام وبعضنا راكباً الحمير.. ندخل في تلك المعارك الضارية ونُشعر أنفسنا أننا في حرب، وكل فريق منا يصف الآخر بأنه عدو، وكنا نعرف الأسر فمن قبضناه من الفريق الآخر كان جزاؤه أن نحمِّله حقائبنا تحت حراسة من بعضنا حتى لا يفر.. حيث إن تلك الحقائب كانت تحُول بيننا وبين أن نكر ونفر ونحن في تلك الحرب الضارية كان سلاحنا في تلك المعارك سياط ذات مرونة عالية لا تنفطر ولا تنكسر بسهولة ووقعها على الأجساد مؤلم لحد كبير، كنا نختارها من نوع معين من الأشجار نعرفه. وكان أيضاً من بعض الأثمار الصلبة «ذات الضرب الموجع» وأحياناً أخرى من كرات الطين المبلل وهكذا.. كانت معاني الدفاع عن فلسطينالمحتلة حاضرة في معاركنا هذه والتحدث عن إجلاء اليهود وطردهم شيء لا يفارق البال.. كنا نفعل ذلك ولم نكن ندري أن القضية أكبر مما كنا نتصور ونتوقع.. إذ أن المعركة مع اليهود معركة حضارية وصراع عقدي.. أدركنا ذلك بقوة حين تقدمنا في مراحل الدّراسة وقرأنا القرآن والتفسير وعلوم الحديث والتاريخ الإسلامي والسيرة، ووقفنا على دواوين الشعر والأدب وخاصة الشعر والكتابات التي تناولت قضية فلسطين بعد نكبة 1948م، وما أعقبها من جريمة الاحتلال التي كان وراءها الغرب الكافر، خاصة بريطانيا وأمريكا. جاءت هذه الذكريات بين يدي النقلة المهمة التي حدثت في اختراق مطالب القضية الفلسطينية من خلال تصويت 183 دولة في الأممالمتحدة لصالح قبول فلسطين كدولة مراقب في منظمة الأممالمتحدة، رغم المعارضة الشديدة الظالمة غير المبررة التي قادتها أمريكا لصالح اسرائيل كعادتها دائماً تقف حجرة عثرة أمام تحرر الشعوب وانفكاكها من الضيم والوصاية، حين مارست ضغوطاً رهيبة على السلطة الفلسطينية الاّ تواصل في طريق سيرها نحو طلب هذه العضوية، ومارست ضغوطاً أخرى على الدول الأعضاء لكي لا تصوت لصالح المشروع الفلسطيني هذا. لكن إرادة الشعوب نحو بناء الحرية والديمقراطية الحقيقية كان أقوى، فصوتت لصالح فلسطينالمحتلة.. وهذه تعتبر خطوة مهمة نحو الأمام تمهيداً لخطوات أهم نأمل أن نراها قريباً. إن فلسطين بهذا الوضع الجديد تستطيع أن تنضم إلى عضوية منظمات دولية واقليمية بصفة دولة منقوصة السيادة، وهو مدخل جيّد لتحريك طلب أخذ السيادة الكامل كحق وليس منحة يمن بها أحد.. وتستطيع فلسطين أن تصير عضواً في أكثر من خمس عشرة منظمة دولية أهمها منظمة الغذاء العالمية «الفاو» ومنظمة الصحة العالمية والمحكمة الجنائية الدولية، ومع معارضتنا للأسس والتوجهات التي تقوم عليها المحكمة الجنائية الدولية «المحكمة الأوروبية السياسية» إلاّ أن الإخوة في فلسطين بحاجة إليها لأجل ملاحقة الجناة المجرمين من اليهود والأمريكان الذين أرتكبوا جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني وهم يحتلون أرضه!! لقد نجحت هذه المرة السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن في أن تخترق الحاجز نحو خطوات أفضل.. وهنا عبرة ودرس للسلطة التي لطالما ظللنا ننتقدها بشدة أن تعلم أن الطريق نحو تحرير الأرض لا يكون إلاّ بمواقف صلبة وارادة ذاتية لا تقبل التنازلات والإملاء، وهذا هو مشروع المقاومة الحقيقية بعيداً عن المفاوضات المذلة والتنازلات وتصديق وعود الرباعية المضللة التي يمثل مبعوثها توني بلير أكبر مجرم وكذاب شارك في تقديم معلومات مضللة دمرت العراق دولة وشعباً، فمن هذا الكذاب لا يُرجى خير فضلاً عن أنه صهيوني كافر. لقد ظللنا نؤكد كل مرة.. يا أيّها المسلمون: ان قضية فلسطين قضية دينية وعقدية تهم كل مسلم أينما وُجد، وهي صراع بين الحق الذي يمثله الإسلام والباطل الذي تمثله اليهودية والنصرانية «ملة الكفر»، وليس كما يوصف بأنه صراع عربي اسرائيلي.. لقد أكدنا أن هذا توصيف مجزوء لا يخدم القضية بصورة عادلة تحقق قيام الدولة على كامل أرض فلسطين الإسلامية من البحر إلى النهر، وعودة أكثر من «6» ملايين فلسطيني لاجئ.. وتحرير أكثر من ألفي أسير في سجون العدو الإسرائيلي المحتل. لذا لابد أن نردد جميعاً معشر المسلمين سأزلزل الدنيا غداً وأسير جيشاً أوحدا.. ولابد أن يردد شباب الدعوة الإسلامية المبارك والمجاهدون.. أنا ثورة كبرى تزمجر بالعواصف والرّدى.. وان نسعى بخطوة عملية لنقول .. لي موعد في موطني.. هيهات أنسى الموعدا.. سأعيده وأعيده وطناً عزيزاً سيدا.. بالجهاد والقتال والمقاومة لأن ما أخذه العدو بالقوة والاحتلال لا يؤخذ الاّ بالمقاومة والقوة. لقد ظهر جلياً أن أمريكا ليست دولة عادلة ولا تعرف ديمقراطية ولا حقوق انسان، ونحن كنا نعتقد ذلك دائماً لدعمها غير المشروط لإسرائيل والمستمر ولن يتغير وبريطانيا ما هي الاّ ذيل نجس يمر به البول الأمريكي القذر، وألمانيا وكندا ما هما في الأصل إلاّ حركة صهيونية وماسونية داعمة لإسرائيل إلى الأبد حتى تدك حصونهما جيوش الفتح الإسلامي القادمة. ويبقى الأهم أن نرى مشروع وحدة وطنية في فلسطين حتى يتسنى لنا دعم القضية المركزية للإسلام في اطار فريق عمل واحد.. بعد أن أثبتت حركة حماس المحاصرة في غزة أن العدو لا تقهره الاّ الصواريخ وليس أوسلو.