شهد العام (1940م) افتتاح الإذاعة السودانية فكان الغناء إحدى المواد الثابتة داخل بثها الذي لم يتعدَّ الساعة الواحدة فقط. ظهرت حينها أصوات جديدة غير أصوات فناني الغناء الأوائل من أعضاء مدرسة الحقيبة فكان أولاً الفنانان التيجاني السيوفي ثم حسن عطية وتلاهما الفنان عبد الحميد يوسف. اشتُهر الفنان عبد الحميد يوسف أولاً بمجتمعات الخرطوم في عقد الثلاثينيات وتحديداً في العام (1938م) فكان يغني أغنيات الحقيبة التي لم يكن غيرها من جنس غنائي فكانت أغنياته زائداً صوته القوي سبباً في ذيوع اسمه وسط مجتمع الخرطوم آنذاك. شكلت الترانيم المسيحية للإنجيل زائداً القرآن الكريم بكل من المدرسة الإنجيلية التي درس بها وليالي الأذكار الصوفية بحي الترس بالخرطوم مزيجاً واضحاً ما بين الثقافتين الإسلامية والمسيحية. زادت حصيلته من الثقافة العامة بواسطة المجتمع الذي نشأ فيه بالخرطوم القديمة في الثلاثينيات التي كانت تضم الأغاريق والأرمن والشوام زائداً رعايا الدولتين المستعمرتين (بريطانيا ومصر) فأصبح قريب الصلة منهم ثقافة. انعكس ذلك على شكل غنائه فكان يقوم بتلحين أغنياته على غرار ألحان الترانيم الموسيقية الكنسية الإنجيلية أو أذكار المتصوفة في لياليهم الضاجَّة بالإيقاع طاراً ونوبة وصياحاً. يُعتبر الفنان عبد الحميد يوسف هو الفنان رقم ستة الذي يتغنى من خلال الأثير الإذاعي فكان غناؤه في العام (1942م) بعد كل من سرور وكرومة وحسن عطية والتيجاني السيوفي وإبراهيم الكاشف. حين ظهوره كفنان بالإذاعة نوَّع وعدَّل كثيراً في طريقة أداء الأغاني فكانت أغنية (يا أماني وحار بي زماني) واحدة من الأغنيات التي وقف المهتمون كثيراً عندها لما فيها من تنوع أصيل وتطريب واضح القسمات. ساعده في الوصول لشهرته واختياراته الدقيقة وحفظه السريع للجمل الموسيقية التي كان يقوم بأدائها غناءً. شكَّل العام (1944م) وصوله لقمة الغناء والطرب في السودان فكان هو الفنان الذي شكَّل بفنه وغنائه مدرسة جعلت الكثيرين من ناشئة الغناء يقومون بتقليده. في فبراير من العام (1944م) انضم لفرقته الموسيقية الشاب قريب السكن من داره بالسجانة عثمان حسين محمد التوم الذي عمل بفرقته عواداً وهو ابن ثمانية عشر عاماً فقط فظل عواداً بفرقته (أي عازفاً للعود) حتى قيَّض الله له ظهوراً بالإذاعة. لا يخفى أثر عبد الحميد يوسف على عدد من الفنانين كان أولهم عثمان حسين ثم إبراهيم عوض وأخيراً محمد وردي في جزئية قوة الصوت. تغنى عبد الحميد يوسف وفق إحصاء المهتمين والباحثين بخمس وأربعين أغنية فقط وهو رقم ضئيل جداً لموهبته فهو ومنذ نهاية الخمسينيات ظل في مهنته التي أحبها وظل بها حتى وفاته وهي مجال البناء والتشييد. من أشهر أغنياته (الناس النسونا) ولم يُعرف شاعرها بعد وإن يُرجَّح أن كاتبها هو الشاعر خالد أبو الروس. اشتُهر أكثر بأغنيات محمد بشير عتيق (يا روحي العزيزة) و(دمعة المحبوب) غير أن أغنية (غضبك جميل زي بسمتك) كانت واسطة عقد أغنياته. بكسلا وفي شتاء العام (1976م) ارتحل الفنان الأسطوري الصوت والأداء كاتباً اسمه أحد صناع نهضة فن الغناء بالسودان.