لم يكن العالم جون ناش يعتقد أن أحلام اليقظة الخاصة به قد تتطور إلى أن تصبح مرضًا نفسيًا عضالاً كاد يقضي على مستقبله المهني لولا مساندة زوجته له فجون ناش الذي حصل على البكالوريوس من كلية كارينجي عام 1948، بعد ذلك حصل على درجة الدكتوراه حول «نظرية اللعبة» game theory والتي لاقت رواجاً كبيراً فيما بعد، ثم عمل أستاذًا بالجامعة. وبعد زواجه بدأ ناش يعاني أعراضًا غريبة، وبعد فحصه تبين أنه يعاني أعراض الفصام، حيث كان يعتقد أن رسائل وصلت له عبر التلفاز والصحف وإنذارات تخبره بأن في المدينة قنبلة، ومطلوب منه كعالم أن يجد الرقم السري للقنبلة، وكان لديه مكان كالمختبر يجلس فيه لأيام محاولاً إيجاد الرقم السري، والحزين في الأمر أنه كان يتخيل أشخاصًا كثيرين يحيطون به إلى أن تدهورت حالته النفسية والاجتماعية وأدخل إلى مشفى ماك لين، عام 1959، حيث شخصوا إصابته بانفصام الشخصية الارتيابي. حالة العالم ناش بدأت منذ الجامعة بأحلام اليقظة التي تصوره عبقريًا يبحث عن نظرية خاصة به دون زملائه في الجامعة وصلت لحد اختراع شخصية وهمية ممثلة في زميل له في غرفة السكن الجامعي رافقه طوال سنوات الدراسة قبل أن يكتشف مرضه لأن الإفراط في أحلام اليقظة غالبًا ما يجعل الشخص ينفصل عن عالمه الواقعي ليعيش في العالم الذي صنعه لوحده ما لم ينتبه لنفسه اسوة بناش.. «المف الاجتماعي» تناول هذه الظاهرة من شقيها السيء والجيد وخرج بالآتي.. تقول «ضحى»: أحلام اليقظة ساعدتني كثيرًا في تحقيق حلمي أن أصبح مهندسة ديكور حيث كان لي عالمي الخاص أبني وأهدم وأقص وألصق قصورًا وأصمم أزياء للأميرات فكان سهلاً علي أن أطلق خيالي للاستفادة منه في مهنتي. وتتخوف رحاب ربة منزل من أحلام اليقظة وتقول: عندما يأتيني أحد لأبنائي ويكذب انطلاقاً من عالمه الخاص أخاف من أن يتغلغل في أحلامه ويعجز عن تحقيقها ويصاب بالجنون. وتحكي سلافة عن قريبها الذي ظل يحلم بأن يكون طبيباً ويلبس سماعة بصورة ثابتة ويفحص المرضى ويطمح بشكل كبير، وجرفته أحلام اليقظة للحد الذي جعله يرفض واقع أنه لم يدخل كلية الطب واستأجر عيادة ويرتدي بالطو وسماعة وأهله عرضوه على طبيب نفساني. ويستمتع حسن بشكل خاص بأحلام اليقظة التي كان يمضي معظم أمسياته وسطها حتى يحس بها حقيقة عندما يخرجه منها أحد يعود إليها من جديد. تضحك سلمى وهي موظفة أربعينية و تقول: تنحصر أحلام اليقظة عندي حاليًا في ثوب الزفاف الأبيض والحياة الجديدة، صدقيني أكاد أجزم أنه حلم يقظة تعيشه كل بنات حواء بشكل مختلف مع كل مرحلة عمرية أغير لون المكياج والزفاف وشكل العريس وصالة العرس هو أجمل حلم يقظه أتعايش معه يوميًا قبل أن أنام. أحمد صنايعي شاب يحلم يومياً وهو في انتظار استلام مصنعيته أن يكون مالكًا لمحل صيانة كبير في حلم لا ينتهي يطالعه بعيونه المفتوحة يومًا بعد يوم. يحذر علماء الاجتماع من خطورة استغراق الإنسان في أحلام اليقظة لأنها قد تؤدي إلى اضطراب وقد تتحول إلى مرض حقيقي إذا ما اغترب الإنسان عن واقعه فتصبح نوعاً من الخيال الذي لا يتحقق وتدفعه إلى الانتظار دون العمل. وأنه على الإنسان أن يحلم قدر إمكاناته وقدراته التي يتمتع بها لتكون دافعًا للإنجاز لا إلى الكسل والخمول وأن الأحلام لا تكفي فلا بد من الأفعال فالإنسان قد يضع خططاً جميلة لكن عليه أن يسعى لتحقيقها.