عندما (تأزمت) مشكلة (البنزين) أيقظت الإرادة السياسية السودان من رقدة العدم النفطي، ليصبح عضواً في نادي الدول المصدرة للنفط. عندما (تأزمت) الإتصالات، صنعت الإرادة السياسية (سوداتل). عندما (تأزمت) الكهرباء، صنعت الإرادة السياسية (سد مروي) لينتج (1200) ميقاواط، وأكملت تلك الإرادة تعلية خزان الروصيرص. على ذات النهج من التصميم والنجاح، يمكن لتلك الإرادة أن تصنع (سودانير) الجديدة العملاقة. كان ميلاد (سودانير) عام 1948م. وتميّزت بخدمات تضاهي كبريات شركات الطيران العالمية. وتوافق أداؤها مع أرقى المعايير الدولية في السلامة والإنضباط. ثم بدأت سودانير رحلة التَّعثر التي أوشكت أن تنتهي بها إلى الغياب عن الأجواء، كما غابت (بوستة) السودان، ليصبح السودان بدون هيئة بريد. ثمّ خرجت سودانير، بدرجة كبيرة جداً، من سوق الطيران الداخلي والإقليمي والدّولي. هذا الأمر لا يحتاج إلى مغالطات. فقط انظر في الأجواء. بعد أن كانت رمزاً للسيادة ومصدراً للعملة الحرّة، أصبحت همّاً وغمَّاً وحَزَنًا. ثم صارت مصدراً للفكاهة، حينما صارت طائرات سودانير تصل (على كيفها)، إلى المطارات الإقليمية والدولية، فأطلق عليها اسم (سِتُّهم) أي (ستّ) الطائرات من كل أنحاء العامل، إذا كانت الطائرات من كل أنحاء المعمورة تتقيَّد ببرنامج ميعاد الوصول في المطارات،فإن طائرات سودانير أصبحت في حلّ من هذا البرنامج . فصارت تظهر فجأة في سموات المطارات وتهبط بإذن الحيّ الدائم. ولا ترغب في الإستماع إلى سؤال، ولا يظهر على وجهها أي حرج، فهي (ستّهم) التي تصل (على كيفها) ولا تُسأل عما تفعل!. في أحد أعداد مجلة (سوداناو) في السبعينات ظهرت بدايات خريف العمر، فكان موضوع الغلاف (سفريات إن شاء الله)، بمعنى الإستخدام الدارج. فبدلاً من أن تعني (إن شاء الله) العزيمة على الرشد، أصبح الإستخدام الدارج لها يعني التراخي و(محتمل ويمكن). في السبعينات ظهرت بدايات خريف العمر، حيث بدأ اختلال انضباط مواعيد المغادرة والوصول، وأصبح التراخي والعجز والفشل يتدثر بلا مبالاة، بعبارات مثل تلك العبارة الشريفة (إن شاء الله) وذلك حتى أصبحت سودانير اليوم عاهة في الجوّ. عاهة هي صورة طائرة من (دابّةَ) اسمها تاكسي الخرطوم. تاكسي دوس الحديد الله وكيلك. عندما أقدمت شركات الطيران الأوربية على اختيار شركاء إقليميين كان تحالف الخطوط الهولندية KLM بالخطوط الكينية التي حققت مكاسب كبيرة من تلك ذلك الحلف. وكان أمام سودانير فرصة العمل لإقامة تحالف مع الخطوط الألمانية (لوفتهانزا) التي سعت إلى ذلك التحالف. لوفتهانزا تنافس على مركز الصدارة الدولية في خطوط الطيران. ألمانيا هي أقوى اقتصاد في أوروبا، لكن صاحب القرار السوداني أضاع فرصة التحالف مع لوفتهانزا، ليتحالف مع شركة عارف الكويتية التي (لا ناقة لها ولا جمل) في صناعة الطيران . فكان دخول سودانير إلى غرفة العناية المكثفة، ولم يتمّ تجديد أسطول سودانير، وظلت الطائرات القديمة على حالها، ولم تُنفّذ برامج تدريب. ولا افتتحت خطوط سفريات جديدة. ولا يدري أحد كم تضخ سودانير (الناقل الوطني) من عملة صعبة في الخزينة العامة، ولم تصبح تذكرة سودانير دولياً توأماً لتذكرة لوفتهانزا. بل باعت (عارف) موقع سودانير في مطار (هيثرو) في لندن. واستبدلت الذي هو خير بالذي هو أدنى، حيث رمت (سودانير) في فيافي مطار(غاتوك). غياب سودانير عن (هيثرو) خطأ لا يمكن تعويضه. وقد ظلت الخطوط القطرية بدون جدوى تناضل نضالاً كبيراً لتحتاز وتجد موقعاً في (هيثرو). غير أن شراكة (عارف) أضاعت موقع سودانير في (هيثرو) بغير محاسبة أو مساءلة، كما أضاعت حقوق السودان في النقل الجويّ التي تنصّ عليها الإتفاقيات الدولية. حينما تتعثر البنوك وتصبح على شفا الإنهيار. يتدخل البنك المركزي (بنك السودان) ويغيّر الإدارة ويعيّن إدارة جديدة ويضع الضوابط والسياسات الضرورية ويشرف على إنقاذ البنك المنهار. سودانير تحتاج إلى قرار جهة مختصة تتدخل قبل أن تسقط وتنهار الإنهيار النهائي. قبل نهاية العمر الإفتراضي لطائرات سودانير، في الأرض أو الجوّ، يجب استقالة المسئولين عن كارثة سوء إدارة سودانير، أو إقالتهم اليوم قبل الغد، وإصدار قرار تاريخي بإعادة بناء سودانير. فقد كانت صناعة الإتصالات في بدايات التسعينات قد انهارت أو كادت، فتمّ إنقاذها بتجربة كبيرة ناجحة في الخصخصة، لتصبح علامة كبرى من علامات النجاح. وأصبح السودان أفريقياً في طليعة الدول التي تقدم نظام اتصالات هي الأحدث والأكفأ. يمكن إعادة ذلك النجاح في صناعة الطيران، خاصة إذا ما تم تشييد مطار الخرطوم الدولي الجديد والذي ألغي تشييده بقرار مفاجئ!. مطار نيروبي الدولي، على سبيل المثال، يوفر للخزينة العامة الكينيّة مليار دولار سنوياً، ومطار أديس أبابا الدولي يوفر ما يزيد عن مليار دولار سنويَّاً للخزينة الأثيوبية. صناعة الطيران السودانية بأسطول سودانير الجديد شراءً أو استئجاراً، وبالبحث عن شراكات جديدة محترمة، وبخدمات الطيران التي تضاهي أرقى الخدمات الدوليّة، ستصبح مصدراً كبيراً من مصادر تعزيز الإقتصاد الوطني. لقد طوت العديد من خطوط الطيران أجنحتها، وأصبحت في ذمة التاريخ مثل خطوطة (PANAM) و(TWA) و (إيسترن)، وغيرها وقد آن الأوان ل(سودانير) وهي في حالة الموت السريري، أن يتمّ إنقاذها، قبل أن تطوي جناحيها، وتلحق بهم وتصبح في ذمّة التاريخ. --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.