(صقر الكواهلة) هو الشيخ عبدالله ود جاد الله، فمن هم (قرود أعالي النيل)؟. عندما زار (ماكمايكل) جنوب السودان عام 1927م كتب (إن مديرية أعالي النيل تمثل الجزء الأكثر كآبة في السودان). مديرية (أعالي النيل) من ضحايا السياسة اليريطانية في جنوب السودان. تلك السياسة التي رسمها (هارولد ماكمايكل) الذي شغل منصب وزير الداخلية في الحكم البريطاني في السودان (السكرتير الإداري). وذلك خلال الفترة 1926 1934م. كان وزير الداخلية (ماكمايكل) ينوب عن الحاكم العام (رئيس السودان) في أحيان كثيرة. فترة عمل (هارولد ماكمايكل) في السودان امتدت من 1905 1934م. تخرَّج (ماكمايكل) من جامعة كمبردج بمرتبة الشرف الأولى في التاريخ. عمل في كردفان سبع سنوات، في النيل الأزرق سنة واحدة، في الخرطوم سنتين، في البحر الأحمر سنة واحدة، في دارفور سنتين. عندما زار وزير الداخلية (ماكمايكل) جنوب السودان عام 1927م، كتب يصف أعالي النيل وسكانها ب(بالمستنقع الذي نزح إليه أو حُشرت فيه كل العناصر الوضيعة التي تعيش شمال خط الإستواء).ولم تسلم حتى نباتات (أعالي النيل) من عنصرية(ماكمايكل) حيث وصف نباتات أعالي النيل ب(النباتات الفاسدة). ثمّ تبلغ عنصرية (ماكمايكل) ذروتها، إذ يصف في كتابه (السّودان) مواطني أعالي النيل ب(مجتمعات القَرَدَة) أي القرود. بَشَر أعالي النيل أسماهم (ماكمايكل) قرود أعالي النيل!. إنسان أعالي النيل في نظر (ماكمايكل) قرد أعالي النيل!. هكذا كان (ماكمايكل) من برجه العاجي (الكامبردجي) ينظر إلى جنوب السودان، وهو يرسم سياسته. (الكامبردجي) نسبة إلى جامعة كامبردج. وكما فعل في بقية الجنوب، في بحر الغزال والإستوائية، قام (ماكمايكل) في أعالي النيل بمنع السودانيين الشماليين من الإستقرار والعمل في الجنوب، وحظر استعمال اللغة العربية، ومنع ارتداء الجلابية والعمامة، وشجع الإرساليَّات المسيحيَّة، وحارب المسلمين الجنوبيين والتبشير الإسلامي. هكذا السياسة البريطانية في جنوب السودان، سياسة (المناطق المقفولة)، في تعمُّد متغطرس وعنجهيَّة عنصرية إستعلائية، تركت أعالي النيل وجنوب السّودان بدون تنمية أؤ تعليم أؤ خدمات أو تطوير، باعتبار أن أعالي النيل مستنقع كئيب سكانه قرود. وفقاً ل(قانون المناطلق المقفولة)،كانت السياسة البريطانية في جنوب السودان، التي كان (ماكمايكل) مهندسها ومُنفِّذها، أن تتركه كما هو. أي كما وجدته، فضربت عليه ب(قانون المناطق المقفولة) ستاراً حديدياً لكيلا تنفذ إليه الحضارة والنور. فقد تعاملت بريطانيا مع الجنوب وإنسان الجنوب باعتباره (محميَّة طبيعية)، حظرت عنها (لندن) الصليبية الأرستقراطية الثقافة العربية والإسلامية، وأسلمتها إلى الكنيسة السيَّاسية، (محميَّة طبيعية) تنشط بيولوجيَّاً فقط، تتناسل فيها (القرود البشرية) و(كلّ العناصر الوضيعة التي تعيش شمال خط الإستواء)، حسب توصيف العنصري (ماكمايكل)!. هل تغيَّرت الآن السياسة البريطانية حقيقة تجاه السودان وجنوب السّودان، أم أنها في نفس نهجها، ولكن في ثياب جديدة وعبارات جديدة. بمثل غطرسته وعنصريته في جنوب السودان، كان (ماكمايكل) يتعالى على كل السودانيين، في كل أنحاء السودان، في الخرطوم والنيل الأزرق والبحر الأحمر وكردفان ودارفور، كان ذلك التعالي المتأصِّل سبباً في اصطدام (ماكمايكل) بالشيخ (عبدالله ود جاد الله) زعيم قبيلة (الكواهلة). الشيخ عبدالله ود جاد الله والد السيدة (رحمة) والدة السيد/ الصادق المهدي. الشيخ عبدالله ود جاد الله بطل من أبطال السّودان. الشيخ ود جاد الله مثل كل بطل سوداني (ما بيرضى الحقارة) و(لا بخاف ولا بِترّ قدَّام العينيهم خُدُّر) أي الخواجات. عندما اصطدم (ماكمايكل) ب(ود جاد الله) ما كان من الشيخ عبدالله ود جاد الله إلا أن لقَّن (ماكمايكل) درسا في الكبرياء والعزة، فانتزع قلم (ماكمايكل)، وأمسك بالقلم وبكل هدوء وتحدّ كسره. فأسموه لذلك (كسَّار قلم مِكْمِيك). (مِكْمِيك) أي (ماكمايكل). كان كسراً رمزياً لرقبة (ماكمايكل)، فاستكان (ماكمايكل).و لو تمادى هارولد (ود ماكمايكل) لكسر عبدالله ( ود جاد الله) عنقه!، كما كسر (ودحبُّوبة) رقبة الضابط البريطاني (مونكريف) بضربة واحدة من سيفه. عن عبدالله ود جاد الله (كسّار قلم مكميك) أو (صقر الكواهلة). كما وصفه الشريف زين العابدين الهندي، كتب الرَّاحل الشريف زين العابدين الهندي شعراً وطنياً جميلاً، شعراً يتأمّل في حدائق السودان الطبيعيّة والإنسانية والأخلاقيّة.. وفيك الفيل... وفيك العَنَزَة والجاموس... فيك التِّيتَل... اللبَّات قرونه تروس... وفيك الأَصَلَة والدَّابي اب دَرَق وجروس... وفيك ريل الوِدَيْ... بي نَالُه راتع يجوس... وفيك (صقر الكواهلة) العينو كالفانوس... وفيك فهود ... وفيك نمور... وفيك طاؤوس... وفي نيلك عُشاري... إشيل من الجاقوس. عُشاري أي تمساح طوله عشرة أذرع (قرابة ستة أمتار)، الجاقوس مقعد في (المركب) يجلس عليه الراكب. بهذه المناسبة يُذكر أن كتاب هارولد ماكمايكل (العرب في السودان) سجّل مرتبة أفضل الكتب مبيعاً في الخرطوم في الأسابيع القليلة الماضية،(حسب إفادة الدارالسودانية للكتب).