لا تحتاج اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة بين السودان ودولة جنوب السودان، لعرّافة حتى تحكم عليها بالفشل أو النجاح، فهي فاشلة حتى قبل انعقاد الاجتماعات في نسختها الثانية بالخرطوم بعد أن فشلت الأولى بجوبا الشهر الماضي. وليس بمستغرب أن تفشل هذه الجولة الثانية، ويتم رفع الاجتماعات منتصف الشهر الجاري للعاصمة الإثيوبية، بعد أن أخفق الطرفان في طي خلافاتهما الثنائية ووصل الحوار بينهما إلى طريق مسدود.. وعدم الاستغراب في ذلك يعود في الأساس لعدم توفر ثقة كافية بين الطرفين وانعدام الإرادة السياسية القوية وراء ما يجري التفاهم حوله للوصول لاتفاق بشأنه. والمتابع لهذه القضية يدرك أنه منذ البداية ثارت شكوك كثيرة حول اتفاق التعاون المشترك وحكمنا عليه هنا بالفشل، وقلنا إن الترتيبات الأمنية على حدود البلدين والمنطقة المنزوعة السلاح أو الشريط العازل على الحدود، ولجم نشاطات الحركات المتمردة والمجموعات المسلحة ورفع حكومة دولة الجنوب يدها عن ما يسمى بقطاع الشمال في الحركة الشعبية وفك الارتباط معه وبالفرقتين التاسعة والعاشرة بالجيش الشعبي، هي قضايا من الصعب على حكومة دولة الجنوب المضي فيها بصدق وتعاون وثقة، لارتهان القرار السياسي الجنوبي للخارج، وتوجد اعتبارات أخرى غير مرتبطة بالداخل الجنوبي ومصالحه، فضلاً عن عدم وجود رغبة من جوبا في التخلي عن مخططاتها وتمنياتها بسقوط النظام في الخرطوم عقب استنزافه بالحروبات المتقطعة والمنتشرة كالبثور في الجسد السوداني من دارفور لجنوب كردفان للنيل الأزرق. ولذلك من الطبيعي أن لا تحدث اختراقات مهمة في الملف الأمني في مباحثات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة التي ترأس جولتها الحالية والسابقة وزيرا الدفاع في البلدين.. فدولة الجنوب تسدد فواتير باهظة القيمة، عالية الثمن، لا تستطيع بسهولة التخلي عن حلفائها في قطاع الشمال وجيشه الشعبي أو حركات دارفور أو ما يسمى بالجبهة الثورية المعارضة، ولم تصدر بعد التعليمات من القوى الدولية الكبرى إلى جوبا برفع يدها عن هؤلاء توطئة للاتفاق النهائي مع الخرطوم.. ولم تيأس دولة الجنوب من فرص نجاح حلفائها في خلخلة النظام في الخرطوم، وما تزال جهات نافذة في جوبا تحلم بذلك.. وواضح أن القضايا والنقاط الخلافية باقية كما هي، لا تتزحزح، فالمنطقة الحدودية المنزوعة السلاح لم ينفذ فيها شيء لضبط الحدود ووقف ومراقبة تحركات مجموعات المعارضة المسلحة، ولا عملية فك الارتباط مع قطاع الشمال في الحركة الشعبية ستتم وتنجح خاصة أن سلفا كير رئيس دولة الجنوب نفسه أشار قبل أسابيع أمام اجتماع حكومي إلى أن ذلك مستحيل، والإرادة السياسية الجنوبية موحدة بالكامل وراء الإبقاء على الصلة العضوية المتينة مع قطاع الشمال وحركات دارفور، وتوجد قوة أكبر من ذلك تفرض هي بدورها على دولة الجنوب بعدم فك الارتباط والتحايل على نصوص الاتفاق الأمني. وفشل هذه الاجتماعات بالخرطوم بعد فشل التي سبقتها في جوبا مؤشر إلى اتساع فجوة الخلاف بين الطرفين، التي تقتضي تدخل الآلية الإفريقية رفيعة المستوى بقيادة ثامبو أمبيكي رئيس دولة جنوب إفريقيا السابق، وثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الآلية الإفريقية متحيِّزة وليست محايدة ونقل الاجتماعات المحدد لها منتصف الشهر الحالي إلى أديس أبابا يعني ممارسة الضغط على الجانب السوداني والسماح بجهات عديدة ومستشارين من الدول الغربية يتدخولون لصالح دولة الجنوب حتى تتمكن من دفع البلدين إلى الاتفاق على نقاط ليست في صالح تهدئة الحدود وتحقيق السلام المشترك. بنية الاتفاقية نفسها وإرجاء تفاصيلها الكثيرة لاجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة، كانت من البداية غير متقنة لأنها تتحدث عن «عموميات» دون تحديد قطعيات، وهذا ما أضعفها وجعل بعض بنودها تبدو غير ملزمة وغامضة تلاعب فيها المفاوض الجنوبي بالعبارات الفضفاضة الواردة فيها ولم يلتزم بشيء ..!ونخشى أن تكون اجتماعات أديس القادمة على حسابنا ..!!