هناك قصص كثيرة عن ذلك الجحيم. من أشهرها قصة مقتل التلميذ محمد فائز. ماتزال حكاية شهيد الطفولة محمد فائز ضد وزارة التربية والتعليم، تقرع الأجراس في كلّ ضمير، رغم الإهمال الرسمي المتعمَّد لها، والذي سعى بلا مبالاته إلى أن تكاد أن تغيب عن الذاكرة. مقتل الطفل البرئ محمد فائز يحتِّم بطريقة مباشرة إلغاء عقوبة الجلد في المدارس. لقد ألغِيت عقوبة الجلد في المدارس الأمريكية والبريطانية والأوربيَّة، واستنبِطت بديلاً عنها وسائل تربوية عقابية أخرى، تتفادى إيذاء الجَلد والعقاب البدني. لقد أُلغيت عقوبة الجلد في المدارس البريطانية عام 1982م. غير أن المدارس السودانية لم تزل تضرب التلاميذ ضرب غرائب الإبل. بنهاية الموسم الدراسي في بعض الأحيان قد تزيد عدد الجلدات التي يتلقَّاها التلميذ عن عدد الجلدات التي تنص عليها بعض الحدود الشرعية، مثل حد الإفتراء (80) جلدة أو حد الزنا (100) جلدة. كذلك عقوبة جلد التلميذ في المدارس السودانية تتم أمام زملائه التلاميذ، كما تتم عقوبة الزناة والمعتدين أمام طائفة من المؤمنين الذين يشهدون عذابهم. علماء التربية في الحضارة الإسلامية (القابسي) و(ابن سينا) و(ابن خلدون) يرفض بعضهم، ولا يحبذ بعضهم عقوبة الجلد، إلا وفق اشترطات وتقييدات عديدة، نظراً لأن إرهاب الجلد يعلِّم التلميذ الجبن والكذب والغش والخيانة. في السودان وغيره، التلميذ أمانة تودعه العائلة عند المدارس لتعليمه. لكن أصبح التلميذ في السودان مستباحاً بالضرب والجلد وفقء العيون والطعن بالسكين والإغتصاب والطرد بسبب الرسوم الدراسية. حتى أن أحد التلاميذ شنق نفسه هربًا من مطاردات الرسوم الدراسية. النبي (ص) لم يضرب بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله. بأي شريعة يتم جلد التلاميذ في المدارس السودانية. لقد أصبحت المدارس السودانية بؤرة مرعبة للعنف ضد التلاميذ وانتهاكات حقوق الطفل في عنف غير مبرَّر. عنف جسدي وعنف لفظي. في ذلك الإطار العنيف المعادي للطفولة والتربية والتعليم، كانت حادثة قتل التلميذ (محمد فائز)، الذي تم جلده وضربه في منتصف الرأس حتى الموت. أما زميله فقد كان أوفر حظًا حيث كُسرت يده فقط، وأما زميلهما الآخر فقد نجا من كسر الرقبة بواسطة أستاذته وخرج بأصبع يده (الإبهام) مكسوراً. التلميذ المرحوم (محمد فائز) تلميذ في الصف الثامن بمدارس الثورة الحارة الرابعة. كان والد التلميذ (محمد فائز) مغترباً في ليبيا لمدة (26) عامًا. ثم عاد من ليبيا بعد اشتعال أحداث الثورة ضد القذافي إلى السودان برفقه أطفاله وأمهم. أفلتت الأسرة من الموت في ليبيا. غير أن المرحوم الطفل التلميذ (محمد فائز) الذي نجا من الموت من (كتائب القذافي)، لم يكن يدري أن الموت ينتظره على يد أستاذه في مدرسة الثورة الحارة الرابعة. حيث لفظ أنفاسه الأخيرة، وحُملت جثته الصغيرة إلى المشرحة. نتيجة لحادثة قتل التلميذ (محمد فائز) هرب أحد التلاميذ من البيت حتى لا يذهب إلى المدرس خوفًا من الأساتذة أن يقتلوه. هنالك قرار في مجلس الوزراء منذ عام 2003م بإلغاء عقوبة الجلد في المدارس. هناك قرار بإلغاء عقوبة الجلد من وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم، لكن هذه القرارات وتلك لا تجد طريقها إلى التنفيذ، حيث يتمّ التحايل عليها بدعوى أن الضرب مسموح به عبر لوائح تجيز عقوبة الضرب وتحدد مكان الضرب وعدد الضربات والأداة التي يتم استخدامها في الضرب. هل هذه مدرسة للتربية والتعليم أم ماذا، عقوبة الجلد في المدارس السودانية إهدار لحقوق الطفل وانتهاك لإنسانية التلاميذ لقد ضُرب التلميذ (محمد فايز) في منتصف الرأس ضربات أدت إلى موته. في القانون الجنائي هذه جريمة قتل عمد. نوع أداة الجريمة المستخدمة ومكان الضرب تحدِّدان إن كانت الجريمة قتل عمد أم غير عمد. من مقتضيات (ثورة التعليم) أن تطال هذه (الثورة) عقوبة الجلد في المدارس، فيصدر قرار بإلغائها. في أي دولة متحضرة، كان قتل التلميذ (محمد فائز) سيؤدي إلى استقالة وزير التربية والتعليم، وليس ذهاب بعض المسؤولين في الوزارة إلى سرادق العزاء ل (يشيلوا) الفاتحة على روح التلميذ. (محمد فائز) الذي تمَّ قتله في رحاب مؤسسة تعليمية. المرحوم التلميذ (محمد فائز) وغيره من الضحايا، هم ضحية سياسات لم توفِّر الحماية للطفل من العنف، لم توفِّر البيئة الآمنة للتلميذ للتحصيل الدراسي. سبق أن نشرت مجلة (تايم) الأمريكية تحقيقًا عن العنف المنزلي وضرب الزوجات. حيث أفادت (تايم) أن البيت الأمريكي من أعنف الأماكن في أمريكا. وقد حفل التحقيق برصد أنواع الضرب والعنف الذي يمارسه الأزواج ضد الزوجات، من قتل وضرب وحرق وإطفاء لاعقاب السجائر في أجساد الزوجات. في إطار انتشار ورسوخ وسيادة عقوبة جلد التلاميذ تُعتبر المدارس السودانية من أعنف الأماكن في السودان. رصد وتسجيل حوادث ضرب التلاميذ يوميًا على مستوى السودان، كفيل أن يرفد المكتبة السودانية في كل يوم جديد بكتاب حزين جديد، كتاب بمثابة نافذة على الجحيم المدرسي الذي يعيش بداخله التلاميذ. آن الأوان لإلغاء عقوبة الجلد في المدارس السودانية. إلى متى يظل الأطفال السودانيون والتلاميذ السودانيون ضحية ثقافة العنف والضرب والجلد، ثقافة انتهاك حقوق الطفل.