فضّت السلطات الأمنية الأسبوع المنصرم بمنطقة الدندر معسكرًا لمجموعة من الشباب وهم يتدربون عسكريًًا المتدين والمتحمس للإسلام.. المعسكر عُقد لأجل التدريب العسكري للمجموعة لاعتقاد المجموعة وقادتها أن التغيير بالقوة فرض عين المرحلة. وهذه المجموعة رغم حماسها وصدقها لكن منهجها في الدعوة منهج خاطئ ومعوج يفتقر إلى أبسط قواعد المعرفة بالهدي القرآني وتجربة النبوة في التطبيق والتي هي المثال الذي ينبغي ان يُتبع فرضًا لكل من يريد أن يدعو إلى الله. ومما لا شك فيه أن هذه المجموعة تعلم تمام العلم أنها مجموعة مبتدئة في الدعوة وتعلم كذلك أنها ضعيفة العدد والعدة مقارنة بالقوة المهيمنة والمسيطرة على العالم اليوم.ونقول لقادة هذه الجماعة وأتباعها ولكل المنظرين لمثل هذا المنهج والسلوك في نشر الدين الإسلامي وللمتعاطفين معه كذلك، أن القرآن وضع ضوابط واضحة للسلوك الصحيح الذي ينبغي أن يتحلى به المؤمنون جماعة أو أفرادًا أو دولاً عندما يكونون ضعافًا عددًا وعدة أمام عدوهم المتسيد قوة ومالاً وسلاحًا. فينبغي الا يتجاوز ذلك السلوك أبدًا. ومن نمط السلوك المحرم تمامًا أيام الاستضعاف، استخدام العنف والقوة في مجاهدة العدو نشرًا للدين أو دفاعًا عن مستضعفي الإسلام. ففي هذه المرحلة حث القرآن المؤمنين - رغم قسوة الطغاة وبطشهم حثهم على كف الأيدي والتركيز في هذه الفترة العصيبة على الصبر على أذى المشركين وتقوية الصلة بالله بالصلاة و تزكية النفس بالزكاة. كما في قوله تعالى: «ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً «77» النساء. ففي هذه الآيات أوامر واضحة وصريحة لرسول «صلى الله عليه وسلم وصحابته، أولها كف الأيدي والذي معناه عدم استخدام القوة في الرد على أذى المشركين والطغاة، وثانيها إقامة الصلاة والمقصود بها تقوية الصلة بالله عز وجل وثالثها إيتاء الزكاة ومقصود بها تقوية العلاقات بين أقوياء المؤمنين وضعفائهم، وكل ذلك له انعكاس قوي على تقوية صف الجماعة المؤمنة. ونزلت هذه التوجيهات الصارمة للمؤمنين وهم في مكة حيث كانوا يتعرضون بشكل سافر لأذى طواغيت قريش وقبائل العرب المشركة. وكف الأيدي والصبر على أذى المشركين في تلك اللحظات العصيبة، الغرض الأساسي منه الحفاظ على استمرار الدعوة، لأن ميزان القوة وقتها في صالح الطغاة والجبارين. وجاءت تلك التوجيهات لأن الله يعلم أن الظلم مُرٌّ وقاس والنفس الإنسانية قد تندفع أحيانًا، ردًا للظلم، بخطوات متهورة ستكون نتائجها وخيمة على الصف المؤمن القليل الضعيف آنذاك. وأيما تفلُّت في صف المؤمنين لاستخدام القوة ردًا على الطغاة، فسيكون ذلك مسوغًا للعدو للبطش بالجماعة المؤمنة، خاصة أن الرأي العام حينذاك كان في صالح السلطة وأن مبادئ الجماعة المؤمنة وأهدافها لم تتضح بعد للعامة ليتعاطفوا معها. الاتعاظ من تجربة نبي الله موسى عليه السلام: والقرآن في هذا الأمر، جاءنا بتجربة واضحة وجلية خاضها نبي الله موسى عليه السلام عندما كان الطغيان الفرعوني وظلمه لبني إسرائيل في أوجه. ففي القصة عبرة بالغة الدلالة ينبغي الاستفادة منها، يقول تعالى: «وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ «15» قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ «16» قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ «17» فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ «18» فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ «19» وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ «20» القصص. هذه الآيات جزء من سورة القصص والتي هي سورة مكية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان الطغيان القرشي في أوجه. وأول آيات السورة حكت عن علو فرعون وفساده في الأرض واضطهاده لبني إسرائيل. والآيات أعلاه تبين أن السلوك الذي اتبعه موسى عليه السلام للدفاع عن قومه المضطهَدين من فرعون وجنوده، لم يكن هو السلوك الأمثل وهذه هي العبرة من القصة. تمثل ذلك السلوك في استخدام موسى عليه السلام للقوة دفاعًا عن قومه المظلومين، الذين كانوا في حالة ضعف والطغيان في أوجه. فعندما استغاث الذي من شيعة موسى على الذي من عدوه، نجد أنه عليه السلام قد صعُب عليه تمالك نفسه فاندفع ولكم عدوهما لكمة قوية قضت عليه في الحين. ندم موسى على قتله للنفس واعتبر ذلك من عمل الشيطان وسأل الله الغفران فغفر له. وعمل الشيطان المذكور في الآية لا يتمثل في مبدأ الدفاع عن بني إسرائيل المضطهَدين، فهذا أمرٌ مفروغ منه، فهو عليه السلام عازم على الانتقام لقومه من هؤلاء الظَّلَمة والطغاة متى ما حانت الفرصة، خاصة أن الله أنعم عليه بالقوة الجسمانية وفورة الشباب، وقوله تعالى: «قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ «17» بين هذا الأمر بصورة واضحة. ولكن عمل الشيطان المذكور تمثل في النتيجة التي ترتَّبت على استخدام القوة في غير وقتها، وهي قتل النفس. وتكرر مشهد اندفاعه عليه السلام مستخدمًا القوة في غير وقتها، عندما أراد أن يبطش بعدوه مرة أخرى عندما استصرخه الذي استنصره بالأمس، وفور اندفاع موسى للبطش بعدوهما، صرخ أحدهما قائلاً: «يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ «19». ومعنى الآية يا موسى إن طريقتك هذه في الدفاع عن المظلومين، أي العنف والاندفاع سريعًا واستخدام القوة في كل شيء، ليست الطريقة المثلى لمن يريد الإصلاح! فهذه طريقة العتاة والجبارين! والجبار هو الذي يتطاول على الناس مؤاخذًا لهم بالشدة ويفعل ما يريد من الضرب والقتل بظلم، لا ينظر في العواقب ولا يدفع بالتي هي أحسن. وسواء قال هذا القول الذي من شيعة موسى أم قاله الذي هو عدو لهما فقد وافقه القرآن وأكد سلامة وجهة النظر هذه. والخطأ في الاندفاع واستخدام القوة في غير زمانها ومكانها نتائجه كارثية، فببساطة سيعتقل الملأ من قوم فرعون موسى عليه السلام ويقتلونه وحينها لن يتعاطف معه أحد لأنه قتل نفسًا فقتل بسببها. وهذا ما كان سيحدث لولا عناية الله بنبيه موسى عندما جاءه من يخبره أن الملأ من قوم فرعون يأتمرون به ليقتلوه، فخرج من المدينة خائفًا يترقب كما هو واضح في ختام الآيات. ولو قدِّر لموسى عليه السلام أن يُقتل لخسر المظلومون مدافعًا قويًا عنهم قلَّ الجود بنظيره، ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. وعليه فالسلوك الأمثل الذي ينبغي أن يتبع حين سيادة الباطل وضعف الجماعة الناشدة للحق، هو كف الأيدي بمعنى عدم استخدام القوة انتصارًا للظلم والتركيز على تربية النفس وتزكيتها حتى يقوى عود المؤمنين ويصلب عمودهم. وهذا ما فعله «صلى الله عليه وسلم وصحابته عندما صبروا على أذى الطغيان في مكة ثلاث عشرة سنة دون أن يندفعوا مجاراة للباطل في عدوانه وظلمه. وكتب السيرة تحدثنا عن أصناف التعذيب المختلفة التي كان يتعرض لها الصحابة. لكن القائد صلى الله عليه وسلم ضبط نفسه وأصحابه بتعليمات القرآن الواضحة معتبرين من سلوك موسى عليه السلام. فعندما مر صلى الله عليه وسلم بآل ياسر وهم يعذبون في رمضاء مكة، لم يتدخل صلى الله عليه وسلم ليدافع عنهم بالقوة وكان بإمكانه أن يفعل، وإنما التزم بتوجيهات ربه وحدوده واكتفى بتصبير المعذبين قائلاً: صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة. وكان كلما استعجل صحابته النصر، نزلت الآيات التي تحثهم على الصبر كما هو واضح في سورة البقرة :«أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ «214». وكان صلى الله عليه وسلم يحث صحابته على عدم استعجال الأقدار، فقد أورد الإمام البخاري في صحيحه عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ » كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِى الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون ».. وهذا الصبر على أذى الطواغيت ليس معناه الاستكانة والصمت على الباطل، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته يجهرون بالدعوة وانتقاد الأوضاع والتبشير بالدين الجديد، ولكن دون استخدام القوة لأن الصف المؤمن حينذاك ضعيف عددًا وعدة ومالاً مقارنة بقوة واشتداد قوة الطغيان. وبعد أن اشتد الأذى على المسلمين وتخفيفًا على الصف المؤمن الضعيف، سمح الله لهم بالهجرة من أرضهم فراراً بالدين، وحفاظًا على حيوية الدعوة ووجودها، ففي الهجرة تخفيف لوطأة الطغاة على المستضعفين، وفيها مراغم كثير وسعة بمعنى فرص أوسع لممارسة الدعوة بحرية كبيرة، كما هو في قوله تعالى: «وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا «100». والله يعلم أن من ابتلاءات الهجرة فقد المال والأهل والدار، لذا بشر رب العزة المهاجرين بالنصر والرزق الحسن في مسيرة هجرتهم، وبشرهم كذلك أن من يموت منهم وهو مهاجر في سبيل الله، فإن الأجر الأعظم في انتظاره يوم القيامة، كما هو واضح في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ «58» لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ «59». وكما خرج موسى عليه السلام من مدينة فرعون مهاجرًا الى مدين، خرج الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته من مكة مهاجرين الى المدينة، وكما عاد موسى الى مصر مؤيَّدًا بالآيات وانتصر من بعد على أعدائه، عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعد أن اشتد عودُهم وقويت شوكتُهم، عادوا إلى مكة فاتحين منتصرين. وهذه سنة من سنن الله تجري في كل زمان ومكان. وضع المسلمين اليوم: ووضع المسلمين اليوم في السودان أو غيره ومما لا يختلف فيه اثنان أنهم - رغم كثرة عددهم ضعفاء والظلم حاق بهم من كل الجهات. فمنهم من هو مظلوم من حكام المسلمين أنفسهم، والدول التي تمكن فيها الإسلام من السلطان كالسودان وغيره تواجهه ظلم دول الاستكبار العالمي، فكلا الفريقين حكامًا ومحكومين واقع تحت نير الظالمين. اذن حال المسلمين اليوم أشبه بحال الدعوة النبوية في عهدها الأول وأشبه بحال موسى عليه السلام عندما كان في أرض فرعون. والمسلمون حكامًا وأفرادًا خصهم الله بتبليغ القرآن للناس كافة، وهم مسؤولون أمام الله يوم الموقف العظيم عن هذا التكليف الثقيل. والنهج في هذا التبليغ لا يتم أبدًا بالاندفاع والتطرف واستخدام القوة في غير وقتها مهما كان وقع الظلم والجبروت عليهم شديدًا، فهذا سلوك الجبارين وما هو بطريق للإصلاح. نخلص من ذلك أن على جماعة الدندر والمنظرين لها والمتعاطفين معها ضرورة مواصلة الدعوة بكل السبل عدا استخدام القوة والعنف، وعليهم التنازل عن الصغائر واغتنام الفرصة التي تهيأت للسودانيين بوجود حكام إسلاميين يجاهرون بالدعوة الى الله ويدعمون كل ساعٍ لنشر الدين الإسلامي وهذه الفرص من النادر أن يجود الدهر بمثلها. وعليهم في ظروف الاستضعاف التركيز على تدعيم الصلة بالله وتطهير النفس بالزكاة وكف الأيدي كما أمر الله، وأن يعلموا أن الباطل مهما طغى وتجبر فإن يد القدرة ستتدخل مباشرة لسحقه ومحقه كما قال عز وجل في سورة الفجر :«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ «6» إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ «7» الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ «8» وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ «9» وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ «10» الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ «11» فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ «12» فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ «13» إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ «14». كم خسر المسلمون في هذا العصر جراء العنف واستخدام القوة في غير وقتها! فإذا كان موسى عليه السلام رغم ظلم فرعون وجنوده، قد اهتزت نفسه عندما قتل نفسًا واحدة من عدوه واعتبر ذلك من عمل الشيطان، فكيف يكون حال من يقتل آلاف الأنفس ويصر على اعتبار هذا الفعل الشيطاني غزوًا في سبيل الله! وكأنهم لا يقرأون كتاب الله ولا يتدبرونه، ولا يقتدون بسيرة النبي ونهجه وتدرجه في الإصلاح والدعوة. لقد خسر المسلمون كثيرًا جراء أفعال العنف واستخدام القوة في غير وقتها كالتفجيرات والعمليات الانتحارية. فوجد العدو المتسيد والممسك بزمام القوة والمال فرصته، فهجم على دول العالم الإسلامي واحدة واحدة هجمة رجل واحد ولم يستطع المسلمون رده لضعفهم! وشنَّ الأعداء حربًا اعلامية شعواء على المسلمين وعلى دينهم ولم يستطع المسلمون ردها أيضًا! وأصبح المسلم في عالم اليوم وللأسف - رمزًا للإرهاب والتطرف، فكم يحتاج المسلمون من السنين ليُصلحوا ما أفسده الأعداء.