إن الأسرة وحدة اجتماعية حصينة ذات تنظيم هرمي «حتمي» يقوم على مبدأ القوامة تتنزل فيها قيم التربية وترسخ فيها المُثل العليا والأخلاق ونتوارث فيها عرى الترابط بالرعاية والتلقين والقدوة، وحسب تقاليدنا صاحب القوامة الكبير هو عميد الأسرة تأكيدًا على وحدة البناء الهرمي. وتقاليدنا مستمدّة من قِيم المجتمع المسلم. ووثق الإسلام الأسرة برباط مقدس جعل له أركانًا ونظامًا يُتبع وأقوالاً مأثورة وشرعية وهو امتداد لمواثيق الأسرة في دين الله منذ آدم. الجميع يعرف ذلك والعلمانيون يعلمون أنه لن يتحقق هدفهم في قيام المجتمع العلماني إلا بتفكيك الأسرة والطريق إلى ذلك هو إضعاف هذا الميثاق وليس أقوى من القوانين العلمانية الدولية لتفعل ذلك. من يظن أن الشريعة أغفلت حقًا لفرد داخل المجتمع المسلم فهو إما جاهل بها أوصاحب غرض من هؤلاء؟ فالإسلام لم يعطِ الطفل حق الرعاية والتنشئة والتربية فحسب بل حتى ضمان التربة الصالحة التي ينبت فيها «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا يكن فساد كبير..».. و«تخيروا لنطفكم...» فالصورتان تكملان التربة الصالحة لبناء الفرد الإيجابي في المستقبل. حتى اسمه الذي ينادى به أمر بحسن اختيار الاسم للأبناء والبنات وبالمحافظة على الفطرة السليمة حتى ينشأ متوازنًا. وعلى المرأة وحدها يقع دور وواجب المحافظة على نسب هذه الأسرة نقيًا طاهرًا ولا يكون ذلك إلا بالعفة والطهارة لأنه تنشأ على ذلك تكاليف ربانية وحقوق شرعية. ولا يعفيها ذلك عن أدوارها الأخرى فيبقى بذلك المجتمع الكبير محافظًا على ذات القيم الفاضلة ولقد أعطاها الله بهذا حقًا مقدسًا «الجنة تحت أقدام الأمهات» والصحبة الحسنة ثلاثة أضعاف ما أعطى الرجل أفنقول بعد أن الشريعة مجحفة في حق المرأة ونبحث لها حقًا في الأممالمتحدة؟! إن نظام الأسرة هو النظام الذي تقوم عليه كل التنظيمات ذات التكوين الهرمي الذي يعتمد على القيادة والقوامة لأنها الأقدم على الإطلاق. فالأسرة هي سياج مجتمعنا وحصنه المنيع يصد عنا الرياح الفاسدة ويحفظه من الانحلال والفسوق تميزنا فيه بالدين عن كل المجتمعات في العالم بما نحفظ فيه الحقوق تشريعًا نصيًا نقرأه كل يوم وتوجيهًا تربويًا يتبعه المسلمون من تعدى فيه على حق الآخر ظالم يرد احتكامًا إلى قانون الحق ويعذب بإثمه عند الله والعدل فيه أجر «إن كنا مؤمنين»! لا تشبه مجتمعاتنا المسلمة في كل تأريخها مجتمعات الغرب أو الشرق التي يظلم فيها الضعفاء وما أصابهم فيه من انحلال وانحراف جعلوا فيها المرأة سلعة ومتاعًا فاستُبيحت حرماتها بل كانت في وقت سابق مخلوقًا أقل درجة من إنسان فحُرمت من حقوقها الإنسانية. لا أريد أن أسوق حيثيات ظهور الشعارات التحررية للمرأة فهذا ليس مجاله لكن تداعى الأمر حتى أصبح إعلانًا لمناهضة التمييز ضد المرأة في عام «1979» تحت رعاية المنظمات الدولية وما تلتها بعد ذلك من قوانين حق الانتخاب وحق العمل الإعلان العالمي لأوضاع المرأة وقانون ضد العنف على المرأة وقانون حماية الطفل. الأممالمتحدة نفسها جاءت بعد عام «1945» وشريعة الإسلام منذ أكثر من «1400» عام. إن هذه القوانين العلمانية تفتقد إلى المرجعية الروحية المحفزة كما في الإسلام بل تقوم على خيط واهن بين التجريم والفعل المقبول استنادًا إلى مبدأ الموافقة والرضى حتى وإن كان ذلك تعديًا على حق في الإسلام أو منكرًا. فلا وازع ديني يفصل ما بين المنكر والمباح شرعًا لأن الدين عندهم قد حوصر داخل الكنائس منذ عهد قيصر. فضاعت عندهم مفاهيم كثيرة من أركان المجتمع الفاضل وأول ما ضاع مفهوم الأسرة ومعاني الأبوة والأمومة وتوصيف الزوج واجبًا وحقوقًا. فصار الإنجاب حقًا خاصًا لا يشترط فيه الزواج الشرعي. فكثرت الأمهات غير المتزوجات والأمهات القصر والأسرة تتفكك حين يبلغ أفرادها الثامنة عشرة كل يذهب إلى حاله بلا ارتباط. هل هذا هو الذي تريدونه لنا؟؟ أنا أسأل أهل المجلس الوطني منبر التشريع؟!. إن ما يقوم عليه مجتمعنا هو الاستقرار الأسري والتماسك الاجتماعي. والمرأة في ذلك لها دور كبير في المحافظة على هذا التماسك نجد لذلك أنماطًا مختلفة لأدوار المرأة على طول بقاع السودان تحت ظل رباط الأسرة المقدس الذي يقوم على وعد الله بأن جعل بينهم المودة والرحمة. من شذ فإنه لا شك مريض انحرفت به أهواؤه فأضاع الحق وفقد القيم «ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم». فلا يمكن أن يقوم المجتمع السوي على الشواذ في الأحكام ولا يمكن أن نقدم ذوات العاهات أمثلة لحكم عام ولا يمكن أن تكون القوانين العلمانية مرجعيات تقيم مجتمع الفضيلة والعفة. كما أن الرجل الوحش الشيطان صاحب الهراوة لا وجود له عندنا على الإطلاق في السودان .. فهوالرجل الشهم الراعي أخواته فكنيناه «بأخو البنات» العطوف برحمة فكنيناه «بخال فاطنة» البر بأمه فقالت فيه «متين يا ولدي تكبر تشيل حملي» وفوق ذلك يسأل أمه «يا يمه رسلي عفوك ينجيني من جور الزمان» فهو «يابا وبابا وأبا وأبونا وأخوي» هذا هو موروثنا الثقافي والاجتماعي. وليس غير ذلك فليبحثوا عن غير السودان أرضًا لقانونهم هذا.