البحث في ملف الشماليين بالجنوب شتت التركيز على ما يعد مسكوتاً عنه في أضابير العلاقات السودانية الجنوبية وتحديدًا بشأن وضعية الشماليين بالجنوب، الأمر الذي يعتبر ملفاً قابلاً للتعقيد في تصور الخرطوم لجهة استخدامه كورقة ضغط من قبل جوبا التي يرى متشددون بها ضرورة تضييق الخناق على السودانيين الموجودين على الأراضي الجنوبية غير متناسين تصريحات بعض قيادات الدولة الجنوبية عقب الانفصال، وقولهم إنهم تحرروا من قيود الاستعباد والاستعمار الشمالي ولا يحق لهؤلاء السودانيين البقاء في الجنوب، لذلك بات العنصر السوداني غير مرغوب بالجنوب لذلك كثرت الاحتجاجات بطردهم من الجنوب وقد انعكس هذا الأمر جلياً في سوء المعاملة والاضطهاد الذي تعرضوا له، ولربما آخر تلك الاحتجاجات هي التظاهرات التي شهدتها ولاية جونقلي من أبناء بور مؤخرًا أمام مكتب والي الولاية ومطالبتهم بطرد السودانيين من الولاية. ولعل الحكومة في الخرطوم مهتمة بهذا الملف، وقد دعت للنظر لقضية آلاف الأسر السودانية في الجنوب، مشيرًا إلى أن هذه الأسر تعيش حالياً أوضاع مأساوية وفي العراء القضية الحالية والسؤال المُلح الذي يطرح نفسه: ما هو مصير السودانيين في الجنوب الذين صُودرت ممتلكاتهم هناك؟ وقد نجد عكس ما فعلته حكومة السودان تماماً في معاملة الجنوبيين في السودان بصورة حضارية، زد على ذلك أوفت الحكومة بوعدها تجاههم ومنحتهم كل حقوقهم ومستحقاتهم كاملة بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين. وحسبما يرى البعض برز في ملف السودان تجاه الجنوب بأن قام الأخير بمخاطبة الخرطوم رسمياً للمطالبة بتوفيق أوضاع أبنائه في الجنوب واستخراج أوراق ثبوتية لهم ليتم معاملتهم كأجانب. وبعيدًا عن الحديث الرسمي يبدو أن ثمة نوايا مبيتة لاستخدام السودانيين بالجنوب وسوء معاملتهم كورقة ضغط متى ما يحين الفرصة يتم استخدامها،هناك شعوب انفصلت لكنها عاملت مواطنيها بطريقة متحضرة وليس كما يفعل الآن الجنوبيون الذين تحركهم أحقاد دفينة مترسبة من آلاف السنين الماضية بحسب قيادات بمنبر السلام. أيضاً هناك مجموعة من التجار السودانيين تعرضوا إلى نهب شاحناتهم البالغ عددها عشر شاحنات كبيرة من قبل حكومة الجنوب بعد تسريح سائقيها. وتعود تفاصيل الواقعة إلى تعرُّض تلك الشاحنات إلى عملية سطو ونهب من قبل متمردي الحركة الشعبية «قطاع الشمال» حيث أكد محمد بلة أحد أصحاب الشاحنات ل«الإنتباهة» أن شاحنة كانت في طريقها من أمدرمان محملة بالبضائع «مواد تموينية» وبعدها تحركوا إلى بحر الغزال حيث تم احتجازهم من الجيش الشعبي، وأضاف بلة أنه قام بمقابلة محافظ ونجوك الذي وعدهم بأن يتصل بالوالي ليسلمهم الشاحنات لكنه لم يفِ بوعده حتى الآن. وهناك أمثلة كثيرة لشماليين تعرضوا لعمليات سطو على ممتلكاتهم في الفترة الماضية ومصادرة منازلهم من جهات عسكرية تتبع لجيش الشعبي بحسب ما قال الصديق محمد كورال أمين عام التجار الشماليين بالجنوب في حديثه ل«الإنتباهة». كاشفاً عن رفض القيادات العسكرية للجيش الشعبي تنفيذ قرار إعادة ممتلكات تجار الشمال الأمر الذي دفع إدريس عبد القادر إلى إدراج قضيتهم ضمن أجندة المواطنة في مفاوضات أديس أبابا وهذا ما يعني استفحال القضية. هناك لوم أو ربما تقصير يرميه كثيرون على عاتق الحكومة السودانية لعدم توفيق أوضاع السودانيين بالجنوب وتأخر حسم الملف الشائك مقارنة بحكومة الجنوب التي سعت إلى ترتيب أوضاع مواطنيها في السودان إضافة إلى مُطالبيهم بالحريات الأربع والجنسية المزدوجة.