قرأت بالحلقة الثانية والأخيرة من مقال (سياحة في وادي الجمال في سرنديب) لكاتبه د. خالد محمد فرح سفير السودان لدى فرنسا واليونسكو. بتاريخ الأحد (29/12/2012م ص «7») بجريدة (الإنتباهة). لفت نظري فيه الكثير.. ولولا أنه يعمل باليونسكو الذي يهتم بالتراث العالمي لما لفت نظره هذا الكثير الذي لفت نظري أيضاً. من هذا الكثير أن سريلانكا كان اسمها سرنديب ثم سيلان ثم سريلانكا. وقد سموا الخطوط الجوية بسرنديب امتداداً طبيعياً لهذا التراث. وإن مساحة جزيرة سيلان تبلغ «6561» كلم والسكان «21» مليون بمعدل «704» في الكيلو المربع. والسودان مليون ميل مربع يساوي «1.600.000» كلم والسكان «32» مليون بمعدل «20» في الكيلو. وهذا يعادل واحد على «15» في سيلان «1÷ 15». ومع هذا سريلانكا وسعت الكثرة «304» والسودان لم يسع «32» بنسبة «1÷ 15»؟!. حقاً (لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها) (ولكنها أخلاق الرجال تضيق) كما قال الشاعر العربي قديماً. ولفت نظري قوله (يوجد نصب بهيئة الجرس أو قباب الصالحين عندنا. بداخله كرسي يقال جلس عليه بوذا ليعظ الناس في القرن «6» ق م. أصبح هذا النصب رمزاً لبوذا ونمطاً معمارياً ملحوظاً يحافظ عليه الناس). وعندنا (الكلام لي لا له) كادت عوامل التعرية تذهب بقبة شيخ عووضة القارح بدنقلا العجوز الذي أشاد به ود ضيف كثيراً بالطبقات. وظهرت مساجد بالخرطوم حديثة. كموسيقا الديسكو. الخارجة عن الفن العربي في التراث الإسلامي. مثال مئذنة جامع الميناء البري التي تذكر بمصنع الثلج. ومئذنة جامع النيلين المذكرة بالصاروخ. ومئذنة جامع بشارع محمد نجيب المذكرة ببرج أجراس الكنيسة. وغيرها كثير. أين هذا من جامع سيدة سنهوري الجامع بين الجدة والعراقة؟! أين؟!. وقوله (وزرنا في موضع آخر معبد بوذا الذي يحظى بمكانة سامية لأنه يحفظ بفلقة من أحد أضراس فكه الأسفل). من الناحية المادية العملية لا قيمة لهذه الفلقة لكن من الناحية المعنوية تعني «2462» سنة. ولفت نظري أكثر «النيم» موضوع العنوان ومساق الحديث. حيث قال: (وعلى صخرة ارتفاعها «372» متراً يوجد قصر ملكي وحوله غابات من النيم المعروف في السودان وفي العديد من البلاد الإفريقية. وقد نقلها الاستعمار عام «1918م». وأول ما زُرعت زُرعت في شمبات. ثم انتشر إلى حد أن أم روابة عرفت (بعروس النيم) بعد أن كانت الحديث لي لا له (أم روابة) الروَّابة قليل اللبن الرائب يخمر به اللبن الفطير. لكثرته وكردفان عروس الرمال. وإلى حد أن النيم دخل أغاني البنات الشعبية (ما يزال الكلام لي لا له) أتذكر من ذلك في الأربعينيات مقطعًا من أغنية يقول (يا ملاية التخريم المفروشة تحت النيم) (أنا وحبيبي جلسنا) (كدي كبَّه لي الحاسدين) (محال أجافي حنين) (لو عبوا لي مكسيم). مبلغ علمي أن ميلاد أول شجرة نيم في السودان كان عام «1925م» بشمبات بعد ثورة «1924م» هذه البعدية هي ما جعلت تاريخ ميلادها يرسخ في الذهن. لماذا؟ لأنه يمثل أحد عوامل الغزو الاجتماعي لتغيير المجتمع بالعامل المادي في التربية السودانية التي يظهر أثرها بعد قرون أو بالنفس الطويل. ومعلوم أن العوامل الجغرافية من تربة وماء، وحيوانات وأحياء كالحرباء مثلاً، ونباتات من أهم عوامل التربية في بناء الشخصية فالأسد كثير الدوران في الشعر العربي مقابل الحوت عند الإنجليز بأوربة. وطرفة يقول بمعلقته (كأن الدمينا والدماليج علقت) (على عشر أو خروع لم يخضد). وقد لفت نظري حزام أشجار السَّيال عند زيارتي للمحمية المحروس بالحس العام فلا قطع جائر ولا منصف له، كما هي الحال بغابات الطلح بكردفان، والسَّنط بسنار وغابة الفيل بالقضارف رغم القانون المانع للصيد والقطع لم تسلم محمية الدندر من أيادي الإبادة بحجة الزراعة. وغابة الفيل بحجة إقامة مطار (كلمة حق أريد بها باطل) أو تعلل كما قالت شرطة حماية الدندر والمدافعون عن الخضرة والحيوانات البرية. إن الشخص الذي تربى برؤية السيال والسلم والطلح والسنط غير الذي تربى برؤية النيم الملوث للأرض بورقه وثماره غير المأكول كالنبق والطندب. وآخر محاولات إفساد الأرض استيراد نوع مهجن من المسكيت سريع الانتشار بخلاف السابق له الذي كان يحمي الأرض من الزحف الصحراوي. والأعجب أن السودان بعهد النميري قام بنقل النيم إلى السعودية في السبعينيات ليزرع في الأماكن المقدسة بمكة (منى عرفات مزدلفة) وأعجب من الأعجب أن يفتخر السودانيون بهذا النقل كما جاء بكلمة د. خالد. جهل مركب وهم لا يشعرون. أرجو من جلالة الملك عبد الله أن يجتث جميع أشجار النيم من الأراضي المقدسة ويزرع مكانها السيال والسَّلم وما إلى ذلك من الأشجار العربية الواردة في القرآن كالسدر والطلح وألَّا يغيب عن باله هذا الخبث لتكون السعودية كالمحمية في السودان لا أم روابة وبارا في كردفان من السودان. أذكر تجربة من السودان لقلع الأشجار الضارة يوجد نوع منها سريع النمو أمريكي الأصل يقال له دمس تهافت السودانيون على زراعته بالخرطوم وأنا أحدهم فلما اتضح أنه يسد المجاري ويقلع البلاط ويشقق حيطان المنازل بعروقه أبادوه نهائياً. ويا حبذا لو صورت السفارة السعودية بالخرطوم سيال المحمية ونيم أم روابة على شريط فيديو وأرسلته إلى التلفزيون السعودي لعرضه قبل إبادة النيم ليتضح الفرق بالمشاهدة والبيان بالعمل كما يقول رجال الجيش كثيراً. ألا هل بلغت اللهم فاشهد. بداهة ما قلته بهذا التعقيب هو ما قاله د. خالد إلا أنه قاله (ضمناً) وأنا قلته صراحة وبلفظ آخر هو قاله بالمفهوم وأنا قلته بالمنطوق لأهميته البالغة. عدا نقطة (النيم) التي نظرت إلى ضرره من الناحية الاجتماعية التربوية قصدوا هم أو لم يقصدوا سيان.