الذين يعملون في مجال كرة القدم تغيب عنهم أشياء يعتبرونها من المسلمات. وها هي الحقيقة تتضح لنا. والشخص المفروض أن يقوم بإقناع قومه بأهمية إزالة الأمية الكروية وما ستجلبه لهم من خيرات يضع ثمناً لذلك عبارة عن ركشة. ويضعنا ويضع كل مشروعنا ومصداقيتنا داخل تلك الركشة. وما علينا إلا الإذعان وشراء الركشة. واعترض أحد أعضاء اللجنة قائلاً: طيب نحنا نعرف كيف إنو الزول دا هو الممكن يقنع لينا الناس ديل؟ أيوا تمام.. مش يمكن يطلع زول دجال كذاب والناس ديل ذاتهم ما بعرفوه؟ ممكن. والتفت الى الزول قائلاً: إنت اسمك شنو؟ اسمي المصقوع وشغال شنو يا المصقوع؟ شغال نازح. ونازح من وين؟ نازح من دار الريح وطيب نعرف كيف إنك صادق في كلامك وإنو الجماعة ديل بيسمعوا كلامك؟ أسألهم.. أنا قبال كدي .. مشيت لناس الإغاثة لحدي ما حفروا ليهم بير وهسع هم كلهم بشربوا من بير المصقوع. ومافي زول ما بسمع كلامي.. حتى عمي خدر ذاتو أنا لو قلت شيتاً أصلو ما بنطو.. يوافق عليهو طوالي.. ولكي نتأكد كان لا بد أن نرجع للجماعة لنسألهم عن المصقوع: يا جماعة الزول دا بتعرفوهو؟ بالحيل.. ده مو المصقوع.. في زول ما بعرف المصقوع؟ وهو جاب لكم الموية هنا. أيا .. الله يبارك فيهو.. والله إن ختيناهو العطش كان كملنا. طيب من الليلة نحنا عينا المصقوع ده عضو معانا وهو حيكون المشرف على الكورة والأتيام ونحنا بنجيب ليهو أي حاجة تخصكم وتخص أتيامكم وكمان حيجوكم مدربين من وكت لآخر.. ونحنا عايزنكم تشدوا حيلكم وتغلبوا كل الحلال الجنبكم عشان هم كمان يشدوا حيلهم وبكده بنكون أزلنا الأمية الكروية.. ويمكن يطلعوا منكم لاعبين يتسجلوا في الأتيام الكبار. وكنت قد ظننت أنني قد انتهيت من حسم تلك المسألة ولكن أحد الرجال الكبار قال: إنتو بتدورونا نشد حيلنا وأولادنا يلعبوا الكورة حقتكم دي؟ مظبوط يا عم. كان كدي.. لازم تأكلوهم.. الزول إن بقى جيعان ما ظنيتو بقدر علي المدافرة والمعافرة. دحين تجيبوا لهم الأكل ومغذياتهم تكون في المواعيد.. عاد جيعانين كدي أصلكم ما تعشموا فيهم. هسع نحنا وكت نرسلهم للحطب.. يا الله .. يا الله حتى يقدروا يجيبوا لهم حزمة حزمتين. هسه شوف الجنا القدامك دا.. نشفان من لحم الدنيا وكريعاتو متل كريعات العنقريب.. والله إن ما حصلتوه المراريا براها بتزيلو قبال تزيلوا أميتو الكروية دي. وشعرت في تلك اللحظة أننا فعلاً نحتاج لمشروع كبير وإنو الحكاية مش ساهلة كما تصورت. والمشروع يبدأ بشراء ركشة للمصقوع وأكل للأولاد ومغذياتهم تكون في المواعيد وإن ما حصلناهم المراريا بتزيلهم قبال نزيل أميتهم الكروية، ولا أدري ماذا يتوجب علينا أن نفعل بعد ذلك، ولكن رأيت أنه من الأنسب أن نأخذ معنا المصقوع للمدينة لأنه سيكون دليلنا لإزالة الأمية الكروية. فقلت موجهاً حديثي للمصقوع: شوف يا المصقوع إنت طوالي تقوم تلم حاجاتك وتجي معانا. أجي معاكم وين؟ تجي معانا للمدينة. المدينة محل ببيعوا الأكل؟.. والله أنا ما كجنت المدينة إلا من بيعهم للأكل.. المية يبيعوها والأكل يبيعوهو.. وتلقى الزول يكجم في الرغيف زي الجمل إلا ما بكصع الجرة.. طيب وأسوي شنو في المدينة؟ يا أخي إنت مالك مصقوع كده.. إنت مش قلت عايز ركشة؟ أيوا.. طيب الركشة دي حتجيك هنا براها؟ وكمان نحنا عايزين نستشيرك في تكوين الأتيام وكده.. يلا ما تأخرنا .. لم حاجاتك وتعال. أنا ما عندي حاجات. يعني إنت كده بس؟ أيوا.. وصاح أحد أعضاء اللجنة: يا أخي هو إسمو المصقوع.. يعني عايزو يكون عندو شنو؟ يلا يا أخينا نمشي. في الطريق ونحن عائدون لاحظت أن المصقوع يبحث في جلبابه وجيوبه عن شيء لم يفصح عنه حتى قلت له: يا زول إنت بتفتش لشنو؟ يبقى نسيتها هناك في الحلة؟ هي شني النسيتها في الحلة.. حقة التمباك. وإنتو كمان بتسفوا تمباك؟ أيا.. ما لنا ما زي الناس البسفوا؟ والتمباك برضو بجيكم ضمن الإغاثة؟ هو ما بجي ضمن الإغاثة.. علا عندهم سواق بجيبوا لينا؟ وبجيبوا مجاني؟ يا أخوي الزمن ده في حاجة مجانية؟ هو بجيبوا وبخليه عندي وأنا بسويه في أكياس وببيعوا للناس ولما يجي المرة الجاية يلقى قروشو حاضرات؟ يعني إنت بتقوم بأي حاجة؟ أيا .. لكن الناس ما بحمدوا المعروف. هسع التمباك وكت يكمل وحاتك واحدين يسفوا العطرون وواحدين يلوكوا الطندب وغايتو.. وهم العاصرهم على كده شنو؟ الهم .. يا أخي الهم .. الناس دي كلها ناس سعية لكن المحل كمل سعيتهم وبقوا على لبن الإغاثة. وكان أعضاء الجمعية يتابعون هذا الحوار مشدوهين. فهؤلاء ناس جئنا لإزالة أميتهم الكروية. وهم يبحثون عن التمباك عند المصقوع. وتطوع مدير المناشط وقال موجهاً حديثه للمصقوع: شوف يا أخينا نحنا عايزنك أول حاجة تعملها بعد ما ترجع تخليهم يبطلوا التمباك ده لأنو مظهر مش سياحي وبعدين بحل الأعصاب وناس زي ديل ما بقدروا يلعبوا كورة. وبطريقة تلقائية ودون أن يشعر أخرج سكرتير الدعاية والإعلام كيساً أخذ منه سفة وقدمه للمصقوع الذي قال: أيوا ده الكلام .. «والغريبة كمان».. لم يعلق أي شخص على ما حدث. ومهمتنا الآن أن نجد ركشة للمصقوع. وتنبهت لأمر مهم: أسمع يا المفلوق.. آسف أقصد المصقوع: إنت بتعرف تسوق ركشة؟ لا.. طيب كيف حتسوقها معاك. إنتو مش جايين تعلمونا الكورة؟ أيوا. خلاص من ضمن التعليمة علموني كيف أسوق الركشة. وصاح مدير المناشط: يعني إنت مصر على حكاية الركشة دي؟ طالما إنك ما بتعرف تسوقها معذبنا بيها عشان شنو؟ عشان بعدين ما تلوموا نفسكم وتقولوا يا ريت لو إشترينا للمصقوع ركشة. وكيف الحكاية دي؟ أولاً أنا لو عندي ركشة ناس الحلة كلهم بيحترموني وبسمعوا كلامي.. كمان أنا بلمهم بيها وبوزع ليهم بيها الأكل، والتيم الغالب بركبهم فيها وبطوف بيهم الحلة، وهم بهتفوا وبكوركوا.. والحروم والبنوت بزغردن. ومشروعكم ده نجاحو مضمون مية المية.. إن بقي كمان عندكم راياً آخر أخير توروني عشان من دربي ده أرجع. وشعرت أن كلامه في محله. وأن المصقوع ده ما «هين» وبدأ الاقتناع واضحاً على أعضاء الجمعية. فنحن نؤسس لعمل كبير تلعب فيه المؤسسية دورها. وأي إنسان مهما صغر في السلم الاجتماعي فرأيه مهم جداً. وكل الأمر أننا لم نكن نعلم ما هي علاقة الركشة التي يطالب بها المصقوع بمشروعنا. ولكن ظهر الأمر وبان ولم يبق لنا إلا أن نتوكل على الله ونقوم بشراء الركشة للمصقوع. ولكن ظهرت معضلة أخرى لم تكن في الحسبان. «ونواصل بإذن الله». وصاح أحد أعضاء اللجنة: يا أخي هو إسمو المصقوع.. يعني عايزو يكون عندو شنو؟ يلا يا أخينا نمشي.