) أنا أديّت رسالتي في الحياة.. ما سرقت.. ولا كذبت.. ولا شربت الخمر.. ولا زنيت.. ولا ارتشيت.. ولم أدخل على مالي حراماً» هكذا قال بثقة القطب الراحل الثائر الحاج مضوي محمد أحمد في إحدى الحوارات الصحفية معه وربما بهذه الصفات الحسنة هي التي أبقته بعيداً عن محاولات أبتزاز الأنظمة القابضة، فهو قد احتفظ بمسافة اختيارية منها لم يرضخ للاعتقالات أو الترهيب، وعندما فشل النظام المايوي معه دبّر له مكيدة بحسب ما قال في حوار صحفي: «أنا قضيت سبع سنوات من عمري في سجونه ومعتقلاته وعارضته وقد دبّرت لي مؤامرة بأن وضعوا في مزرعتي وفي مواسير مزرعتي أسلحة واعتقلت بتهمة أني أقود مؤامرة مسلحة وتشاء الأقدار أن أكون في ذات الوقت بالمستشفى الذي قضي فيه الزعيم الأزهري آخر أيامه» وقيل إنه عندما سخر من النظام المايوي قال «شهر مايو من أسخن الشهور وعيش المايو كعب ومسوس» وهو حديث حتى إذا لم يصح لكنه كان يتواءم مع خطابه السياسي المتسم بالسخونة وإطلاق الحمم الملتهبة ضد الخصوم، وهي سخونة يبدو أنه استمدها من براثن الكفاح الحياتي الشاق عندما بدأ حياته عصامياً فقيراً يبيع الملح والليمون من أصحاب المزارع ثم يشتري منها أيضاً الفول والبيض حتى تدرج في دنيا المال والأعمال حيث خاض تجارة الإسبيرات وتمكن من الحصول على توكيل شركة فورد ثم أسس شركة تأمين مع صديقه النفيدي، ولهذا لم تكن السياسية من تطلعات وأحلام الحاج مضوي الذي كان كما قال كنت بالكاد أفك الخط عندما ولجت إلى مؤتمر الخريجين، لم يكن من الممكن أن انضم إليه لأنني خريج خلوة حتى جاء القرار الذي يسمح لك من يفك الخط بالانضمام إلى المؤتمر» لكن يبدو أن دواعي الاستثناء جاءت في ظل تقاطعات سياسية آنذاك حيث برزت الحاجة للدعم السياسي في خضم التنافس والتدافع المحموم بين السياسيين، وحين ولج الحاج مضوي مؤتمر الخريجين عام 1938 كان متحمساً للزعيم الأزهري ومخلصاً له حتى مات وربما تسبب ذلك في خلافات عميقة لاحقاً مع زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني حيث إن الحاج مضوي لم يكن يخفض من صوت معارضته ولم يتأثر بالكارزيما المميزة للزعيم الميرغني فقد قال بوضوح ودون مورابة في أحد الحوارات الصحفية مع صحيفة الصحافة في العام 2004 «نقول هذا الحزب ليس ملكاً لأحد، فالحزب أرض على الشيوع، أي اتحادي يمتلك فيه حصته، والعبرة بالعمل، والعبرة بالعطاء وليس بالاسم أو الميرغني، الشريف حسين صار زعيماً لأنه قدّم للحزب وليس لأنه ابن الشريف الهندي، ومحمد إسماعيل لا نتعامل معه باعتبار أنه ابن الزعيم أو وارث للحزب ولكن بما يعمل، ومحمد عثمان الميرغني يمكن أن يرث السيد علي في الختمية ولكن في الحزب لا». وطنية حتي النخاع وظل الحاج مضوي متخندقاً بالداخل ولم يكن مقتنعاً بمعارضة الخارج بيد أن وجوده بالداخل رغم اختلاف الحقب السياسية لم يجعل صوته خافضاً كما لم يجعل سلوفانا يلف به عبارته الملتهبة ولهذا لم يكن راضياً عن عقد المؤتمر الحزب الاتحادي بالقاهرة وقال غاضباً:« رأينا أن يعقد المؤتمر بالداخل، ما في حزب بيحترم نفسه بيعمل مؤتمره في الخارج، وبالرغم من أن مصر وطننا الثاني ولكن هل المصريون أقاموا مؤتمرًا هنا. كما اعترض على عقد الحزب لاتفاقية القاهرةوجده باعتبار أنهم لم يستشاروا فيها. تراجع تكتيكي وكان من أنصار إعطاء الفرصة للشباب وقال:«إن مرحلة السيد» انتهت لكنه لاحقاً عندما تزايدت أشواقه نحو الوحدة الاتحادية بعد تشظي الحزب لم يمانع في توحيد الحزب تحت زعامة زعيمه الكارزيمي الميرغني وتحسنت نسبياً علاقته به وإن كان لم يكن يتخلى تماماً عن قناعاته وإن جعل خطابه الساخن مؤقتاً في ثلاجة الوفاق. معارضة للإنقاذ عُرِف الحاج مضوي بمعارضته الشرسة للإنقاذ التي لا تعرف المهادنة ولم يجبها حتى للقائه بالرئيس البشير فقد احتفظ بمساحة من الخلاف وثبت عليها ووصف التعامل مع النظام بوصف ساخر عندما قال في أحد الحورات:«أنا رأيي كالآتي... الحكومة سرقت الحكم واللي يشترك معاها يعتبر متهماً باستلام المال المسروق.. والسارق والمستلم جريمتهما واحدة في القانون». ويقال إنه عندما داعبه عدد من أصدقائه بأن ابنه انضم للإسلاميين قال مازحاً « ده زي ابن نوح» لكنها بالطبع كانت مجرد مزحة، فالرجل كان ديقراطياً ولم يمارس حجراً أو ضغوط على خيارات أبنائه. الرحيل في الرابع من يوليو 2009 رحل الحاج مضوي في مدينة بانكوك عن عمر ناهز الخامسة والتسعين منهياً مسيرته التي تدرجت بعد مؤتمر الخريجين إلى حزب الأشقاء ثم الحزب الوطني الاتحادي وأخيراً الحزب الاتحادي الديمقراطي عام 1967 ولسان حاله يقول لدنيا السياسة بكل تضاريسها ومطباتها ومكفيليتها وغسيلها الذي لا يسر والسلوفان الذي يغلف عبارات النفاق والتزلف بدا وكأنه يقول «أنا بقول رأي عديل أنا أكلت حلال ولم أسرق ولم أزنِ ويا ناس أنا لسه عايش بقلب بائع الليمون والملح والبيض أبو عشرة قروش أبعدوا بعيد يا أصحاب الياقات البيضاء نحن بنهدف على المليان».