في مؤتمر« تيسول سودان» الذي أجري على مدار ثلاثة أيام من هذا الشهر برعاية جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، شارك في المؤتمر خبراء من مختلف أنحاء العالم ، كاشفاً عن الواقع الكئيب لتعليم اللغة الإنجليزية في بلادنا ليس على المستوى المدرسي فقط وإنما المستوى الجامعي وما بعد الجامعي. وفي الوقت الذي بدأ العالم يتحدث فيه عن استخدام »الآي باد» في صفوف اللغة وكيفية تدريب المعلمين على استخدامه، نتحدث نحن في السودان عن تعليم اللغة في فصول ليس بها مقاعد، ومعلمين بمستوى ضعيف، وما أبشع الحقيقة التي أشارت إليها الدكتورة «آمنة البدري» في المؤتمر من أن معلمي اللغه الإنجليزية في السودان لا ينقصهم التدريب فقط، وإنما المعرفة كذلك، وهذه لعمري في حد ذاتها مؤشرات خطيرة، ما لفت نظري في مؤتمر «تيسول سودان» الإقبال الضعيف لخبراء المناهج السودانيين، والحضور الضعيف جدًا جدًا لمعلمي اللغة الإنجليزية في المراحل المدرسية بل والجامعية بالرغم من حضور خبراء من مختلف أنحاء العالم. الغياب الملحوظ للمعلمين ليس في مؤتمرات من هذا النوع فقط بل غيابهم أو تغييبهم من ورش عدة تناقش مشكلة تعليم اللغة في السودان أصبح أمرًا عادياً. وفي ظل التدهور المريع للمستوى العام في اللغة الإنجليزية بات واجباً على المعلم أن يطور نفسه دون انتظار لدعوة.. عليه أن يثقف ذاته ويؤهل نفسه دون انتظار دعوة لذلك، أذكر أني أردت إخضاع عدد من المعلمين في مدارس مختلفة لامتحان لغة إنجليزيه لتحديد مستوياتهم وذلك ضمن إطار دراسة علمية أعددتها سابقاً فوجئت بالرفض الذي أبداه أولئك المعلمون، ولكن المفاجأة بعد ذلك أصبحت أمرًا عادياً بعد أن علمت بمستوياتهم التي تقع في نطاق فاقد الشيء. أصبح معظم المعلمين كطلابهم يحفظون المنهج ويتبعون أسلوباً لا يغيرونه في التدريس أو التقييم. ودخل المعلم دائرة التشكيك في مستواه وأسلوبه ومدى معرفته. وهنا حق لنا أن نسأل: على أي أساس أن يتم توظيف معلمي اللغة الإنجليزية في المدارس؟ ماذا أعطى هؤلاء من مواد تعليمية غير منهج استمر لمدة خمسة عشر عاماً أو أكثر؟ لقد انفجر أحد المحاضرين الجامعيين اليائسين من وضع اللغة ليقول إنه من الأفضل إلغاء المنهج بدلاً من الاحتفاظ به بمستواه الحالي!! وأنا شخصياً اتفق معه على ذلك. لنترك جانباً أهمية اللغه الإنجليزية في تطوير مستقبل هذا البلد وأهميتها في تطوير الأمم، فهذا أمر سبقني في الحديث عنه كثيرون وعلى رأسهم رائد النهضه الماليزية وعرّابها الدكتور مهاتير محمد حين قال متحدثاً عن تجربة ماليزيا الحضارية في زيارته للخرطوم«علمنا الناس اللغة الإنجليزية لأهميتها في جذب رؤوس الأموال الأجنبية وأهمية تعليمها للعمال لتسهيل عمليات التدريب ومساعدتهم على زيادة المهارات ومعرفة الآلات التي يستخدمونها. إنها التنازل الأهم في مسيرة صناعتنا للاقتصاد الماليزي، خاصة إصرارنا واعتمادنا على اللغة الإنجليزية في تعليم مادتي العلوم والرياضيات». لنترك جانباً كل ذلك ونقول في إيجاز إن الطالب يتخرّج من المدارس الثانوية بل ومن الجامعة بدون أن يعرف من اللغة الإنجليزية أي شيء يمكنه منها، وهذا نتاج طبيعي لأن المصروفات من طباعة سيئة للمنهج وأجور متدنية للمدرسين وغيره من مصروفات ضعيفة أساساً يذهب أدراج الريح. ويقيني أن عدم الشيء أفضل من وجوده بهذا المستوى!! إن مستوى المنهج ومستوى المعلم وأدواته ومعرفته وثقافته ليس ضعيفاً بل يكاد يقارب الصفر دون مبالغة. إن تعليم اللغة الإنجليزية بات بلا مخرجات. لانريد أن نتكلم عن أن المعرفة بالشيء أفضل من عدمه، فاللغة الإنجليزية ليست علماً منفصلاً بل هي وسيلة اتصال وتواصل. هي لغة حية يتكلمها معظم سكان العالم. هي لغة العلوم في كل المجالات العلمية أو الأدبيه شئنا ذلك أم أبينا، اعترفنا به أم لم نعترف. الغريب أننا ندرس اللغة الفرنسية في المدارس ونحن نعاني مع لغة سبق تاريخ تعليمها في المدارس تاريخ تعليم الفرنسية كثيرًا. أنا لا أقول إن اللغة الفرنسية ليست مهمة ولكنني أقول إننا نخلق المشكلات الواحدة تلو الأخرى. مشكلات نحن نعرفها جيدًا ونعرف أسبابها ولقد علت الأصوات التي نادت بالإصلاح كثيرًا. لم تعلُ هذه الأصوات الآن ولا قبل سنة ولا سنتين بل منذ سنين مضت والحال كما هو. أليس حال المستوى في اللغة الإنجليزية الآن يشابه العدم!؟ألم نقم بإلغاء دورها وتعريب المناهج لنفصل طلابنا عن العالم وما يدور حولهم. ما فائدة وجود شيء كعدمه. أعتقد أنه قد حان الوقت لنتكلم عن إلغاء التعريب بدلاً عن أن نتكلم عن تحسين المناهج فقط وتدريب المعلمين والارتقاء بمستوياتهم لأننا بذلك نعود إلى نقطة الصفر، كما نفعل مراراً وتكرارًا. وإلا فإلغاء وجود هذه اللغة في مؤسساتنا التعليمية سيصبح أحد الخيارات المفروضة علينا مستقبلاً شئنا ذلك أم أبيناه.