الخرطوم: أسامة عبد الماجد تصوير: محمد الفاتح من المؤكد أن المؤتمر الوطني أحسَّ بحرج بالغ ووجد نفسه في مأزق لا يحسد عليه بعد أن قدّم له الحزب الشيوعي الحاكم في جمهورية الصين درساً بليغاً في كيفية الإدارة والحكم والنظر للمستقبل، كان ذلك من خلال الندوة القيّمة التي قدمها نائب وزير دائرة العلاقات الخارجية بالحزب الشيوعي الصيني لي جين جيون والتي كانت عن مخرجات مؤتمر حزبهم ال «18» الذي عقد الشهر المنصرم التي نظمتها دائرة العلاقات الآسيوية بقطاع العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني والتي يتولاها الوزير د. عيسى بشري الذي كان متابعاً وباهتمام للندوة أمس الأول والتي عقدت ببرج الاتصالات بحضور قيادات من «الوطني» ومنظمات المجتمع المدني وفعاليات شعبية مختلفة. التخطيط للمستقبل الاهتمام السوداني بالصين لا تحده حدود، وذلك ما مضى في اتجاهه القيادي ب«الوطني» مهدي إبراهيم الذي قال في فاتحة الندوة:«نعتبر أن لنا علاقة صداقة خاصة مع الصين وتكاد تكون العلاقات السودانية الصينية هي المثال في إفريقيا وربما هي المثال في علاقتنا مع المجموعة العربية» وأضاف: نحن في السودان نعتز كثيراً بهذه العلاقة ونرى في الآفاق إمكانية توسعها. منذ بداية الندوة وصلت رسالة مهمة للحضور مفادها أن الحزب الشيوعي الصيني يدير بلاده بطريقة مبتكرة وفيها كثير من التجديد غير المألوف بالنسبة للسودان بدءًا بتجديد قيادة الحزب بشكل دوري وراتب حتى أن الضيف الصيني الرفيع كان من الشباب بعد أن انتخب حزبه قيادة جديدة في إطار التداول السلس، وقد افتتح لي جين حديثه بالإشادة بما تحقق من إنجاز في السودان على يد الرئيس البشير وحزب المؤتمر الوطني، ثم دلف إلى ما تمخضت عنه مخرجات مؤتمرهم الذي حظي بمتابعة واسعة في شتى أنحاء العالم التي ارتكزت على محورين مهمين: الأول إنتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح، والثاني تنمية الصين وفق منهج علمي.. والحزب الشيوعي في رؤيته تحقيق الرفاهية ورغد العيش لمجتمع بلاده بحلول العام 2020م. كشف لي عن استناد حزبه على النظرة العلمية حيث أشار إلى أن الشيوعي الصيني كرّس لمفهوم التنمية العلمية ضمن الأفكار المرشدة التي سيتمسكون بها لفترة طويلة لمواكبة تيار العصر، وباهى بقيادة حزبه للصين بالقول إن الأصدقاء الذين يتابعون الصين بدخولها للقرن الجديد يرون تحقيقها لإنجازات مرحلية ممتازة. تحديات النجاح لم ينم الحزب الحاكم في الصين على العسل ويوقن أن المحافظة على النجاح مسألة عسيرة وقد أكد لي جين أنهم دخلوا مرحلة مفصلية بشأن التنمية يقابلها تراكم العراقيل، وقال في ظل هذه الظروف أصبح كيفية مواجهة الإشكالات البارزة في عملية التنمية وكيفية المحافظة على التنمية من أبرز التحديات التي تجابه حزبنا، وحدد المخرج في السعي إلى طرح مفهوم التنمية العلمية التي أكد أنها وجدت قبولاً لدى المجتمع الصيني. ومضى المسؤول الصيني لتسمية المطالب الأساسية التي حددها مؤتمر حزبه من أجل مفهوم التنمية الاجتماعية وهي ضرورة اعتبار التنمية كأولوية لتنفيذ التنمية العلمية بمفهوم أكبر ووضع الإنسان في المقام الأول واستفتاء الناس باعتباره أساساً لتنفيذ مفهوم التنمية العلمية، وكشف لي جين أن حزبه أدرج مفهوم التنمية العلمية ضمن دستور الحزب واعتبر ذلك إنجازًا تاريخياً. التمسك بالهوية الصينية اللافت في حديث الضيف الصيني هو تمسكهم بهويتهم الصينية وبشكل كبير وهي الأساس حيث كل خطوة يخطوها الحزب الشيوعي الصيني تُمزج بالخصائص الصينية فالاشتراكية التي تتمسك بها الصين قال إنها ذات خصائص صينية، وأكد أنهم سيسيرون على الطريق الاشتراكي بعزيمة لا تتزعزع. وأشار إلى أن تجربتهم في تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح خلقت معجزة تنموية مكنتهم من التطوير ومكنّت الشعب الصيني من رفع مستوى معيشته وجعل الشعب يدرك أن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية هي الطريق الرئيس لتطور الصين وتقدمها. وقال جين إن تقرير ختام مؤتمر الحزب دعا للتمسك بأن الشعب سيد الدولة وتطوير قوى الإنتاجية الاجتماعية، المضي قدماً في عملية الإصلاح والانفتاح للخارج، حماية الإنصاف والعدالة الاجتماعية، للتمسك بالتنمية السلمية والتمسك بقيادة الحزب الصيني. تقوية الصف الداخلي تشعر الصين بمهددات خارجية من خلال التنافس الكبير مع عدد من الدول وهو الأمر المهم في خارطة أعمال الحزب الشيوعي الذي أكد عدم تخوفهم من أي مخاطر ومن أي تدخل خارجي من خلال تحصنهم بالنظرية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، فمضوا في اتجاه طرح هدف إضافة لدخل الفرد بهدف تقوية البنية الداخلية ومن أجل بناء مجتمع متماسك، ولفت لي جين الانتباه لأمر مهم للغاية ومفقود في الأحزاب السودانية حتى التي تصل إلى سدة الحكم وهو الإشارة إلى أن الحزب يقوم بتعديلات وفقاً لسرعة النمو الاقتصادي ومستوياته واستدل بأنهم قاموا في العام 2002 بطرح هدف مضاعفة الإنتاج وفي 2007 قاموا بتعديل الهدف إلى مضاعفة نصيب الفرد مرتين وأكد أن دخل الفرد في القرن الحادي والعشرين زاد ثلاث مرات، وقال إذا نجحنا في زيادة دخل الفرد نجد أن إجمالي إمكانية الصين ستزداد وبشكل كبير. الانفتاح والإصلاح ركز المسؤول الصيني في حديثه كثيرًا على مسألة الانفتاح والصلاح كونه الطريق الحتمي لممارسة السلطة وأدهش الحضور عندما قال إن الحزب يلزم قيادته تنفيذ روح الابتكار في كل مناحي الحكم، وقال إن التطور السريع الذي شهدته الصين في ثلاثة العقود الأخيرة بفضل سياسة الانفتاح والإصلاح بثبات لا يتزعزع، وأقرّ أنهم في إطار انتهاج هذه السياسة حققوا نتائج إيجابية إلا أنه مع ذلك هناك أشياء يجهلونها، وقال في مرحلة الإصلاح سنجابه بحزمة خلافات عميقة الأسباب، وشدد على أنهم إذا توقفوا عن تلك الخطوات يمكن أن يفقدوا فرصة الإصلاح والانفتاح ويمكن أن تتوقف قضيتهم في منتصف الطريق. لي جين قال إن مخرجات حزبهم ولكي تتجاوز المسألة عرقلة التنمية العلمية فإنهم مضوا في اتجاه تسريع بناء اقتصاد وسوق اشتراكي، وتسريع وضع الأنظمة للسياسية الغربية الاشتراكية وتوحيد معاييرها، وتعلية الشأن الثقافي، وتشكيل الإدارة العلمية وتسريع بناء الحضارة الأيدلوجية وأكد أن الأنظمة الصينية ستصبح أكثر نضوجاً بحلول عام 2020م. رؤية مالية واقتصادية بالقطع لم يهمل مؤتمر الحزب الحاكم في الصين المسألة المالية والاقتصادية، حيث قال لي جين إن من أهم أولويات حزبه جذب الاستثمارات وزيادة الصادرات وأثنى على نمو اقتصاد بلاده، لكنه استدرك أنه لا بد من النظر للأزمة المالية العالمية، وقال إن تداعياتها لا تزال تتفاعل وغيرت كثيرًا في المعادلة السياسية والاقتصادية في العالم وتغيّرت محتويات وظروف بكين وقال إن حزبه عمل على تغيير أولويات العمل الاقتصادي من خلال الاعتماد على الصناعات الناشئة والابتكار الإداري وترشيد الاستهلاك والتفاعل والتناسق بين الحضر والريف. الإصلاح السياسي.. طريق الحكم قال جين إن الحزب الشيوعي ركز في مؤتمره على العمل بنظام الإصلاح السياسي من خلال تكريس الديمقراطية الشعبية بشكل أوسع وأشمل، وأقر أنهم يعرفون وبكل وعي أن هناك حلقات في النظام السياسي الصيني تستدعي الإصلاح والاستكمال، ورأى ضرورة المضي قُدماً في الإصلاح السياسي للتكيف مع الإصلاح الاقتصادي وأن الإصلاح السياسي يجب أن يجري في ظل قيادة الحزب والشعب الذي هو سيد الدولة شريطة إدارة البلاد وفق القانون، وأضاف: علينا استكمال بناء النظام الديمقراطي. الرسالة القوية والصريحة في حديث جين كانت قطعه بعدم استنساخ نمط النظام السياسي الغربي في إطار عملهم المستقبلي لبناء الإصلاح السياسي. وقال أرى أن لنا في هذه النقطة آراء متشابهة بيننا وبين المؤتمر الوطني في السودان. وبدا المسوول الصيني كثير من التواضع عندما قال إن الدولة الصينية ذات حضارة امتدت لخمسة آلاف سنة ولكن حتى الآن لا نجرؤ أن نصف أنفسنا بالدولة الثقافية القوية. وأنه في إطار تدفق المنتوجات الغربية يرون بناء الدولة الاشتراكية الثقافية القوية.