تصادف أن كنا بالولاياتالمتحدةالأمريكية في منتصف عام 1979م وبعد أن تحسنت العلاقات بين السودان وأمريكا وفي أعقاب ضرب الرئيس نميري لآخر خلايا الحزب الشيوعي وانحسار تسلط اليسار على ثورة مايو.. وقد أدى توجه الحكومة في ذلك الوقت نحو الاتجاه غرباً والالتفاف بدرجة مائة وثمانين حيث سبق زيارتنا تلك زيارة قام بها وفد اقتصادي رفيع من السودان شارك فيه الرئيس نفسه وكثير من الزراعيين والاقتصاديين في ذلك الوقت بينهم أساتذة جامعات وباحثون ومديرو مشروعات وشركات.. وقد كان اهتمام النميري بهذه التوجهات كبيراً جداً حتى إنه فتح مكتباً أو مقعداً في مجلس الوزراء خصصه لمتابعة الأعمال الاستثمارية بين السودان وأمريكا والسودان وفرنسا بصفة خاصة. وعلى كل حال صادفت زيارتنا «وكنت مرافقاً لوفد من مشروع الجزيرة في وقتها» إقامة مباراة ودية في الملاكمة تنشيطاً للعلاقات السودانية الأمريكية في المجالات الثقافية وقد تجمع السودانيون من معظم الولايات وتلك الولاية على وجه التحديد لحضور مباراة الملاكمة ولتشجيع «ابننا» والذي كان جنوبياً طويلاً جداً وضعيفاً جداً حتى إن ساقيه تبدوان وكأنهما «عصاية من القنا». وفي مجمله كان يبدو مثل نخلة او عصاية طويلة ملصق عليها رأس زول.. وبدأت المباراة بأن تم قرع جرس ظل طنينه مستمراً لأكثر من دقيقة وتقدم الخواجة نحو «زولنا» وكان ضخم الجثة شلولخ وعريض المنكبين «مشرئب الأبعاع» مفتوش الفتشات «كما يقول عادل إمام في مسرحية شاهد ما شافش حاجة» وتوجه الملاكم نحو ولدنا «المعصعص» ولكمه لكمة واحدة وقع على إثرها منبطحاً على الأرض راقداً متمدداً.. فاقداً للنطق والحركة.. والحكام يعدون تو ثري.. سفن، إيت. و«قمنا جارين» نحو زولنا الواقع ونحن نكورك ونستنجد به أن يهب واقفاً لأن الحكم سوف يُنهي المباراة بعد عشر ثوان من بدايتها بهزيمتنا النكراء وبالضربة القاضية.. وقلنا للرجل «قوم يا زول ارفع راسنا».. وزولنا قال لنا بالحرف الواحد «هو أنا قادر أرفع راسي لما أرفع راسكم».. ووصل الحكم إلى العدد إيت - ناين - تن.. ومرة أخرى ضربت الصفارة وانتهت المباراة التي لم تبدأ أصلاً... وهذه المباراة ذكّرتني بأهلنا في المعارضة الذين يجتمعون وينفضون ويقومون ويقعدون ويقفون لتشكيل الأحلاف لإسقاط الحكومة.. وأمريكا ودولة سلفا كير الدينكاوية تدفعهم من الخلف وتشجعهم وهي التي تصرف عليهم وترعاهم.. وترعى تحالفاتهم في جوبا وفي كاودا وتحت مسمى تجمع الأحزاب الوطنية وتتحالف الجبهة الثورية لإسقاط حكومة السودان.. وإذا كانت دوائر الغرب ترجو خيراً من شتات الأحزاب المرتمية في أحضانها فهي مخطئة.. ذلك لأن هذه المجموعات غير قادرة على أن ترفع رأسها شخصياً فكيف تستطيع أن ترفع رأس غيرها.. وإذا كانت شراذم الأحزاب التي لم يبق فيها غير قادرة بلغوا من الكبر عتياً وأصابهم داء الهرم وتكلس الأعضاء ومرض الزهايمر وربما التبول اللا إرادي ووصلوا إلى مرحلة «هرمنا- هرمنا» وانمحت عندهم الذاكرة و«لطشت» أسلاكهم وتوصيلات أعصابهم.. فهم لم يعودوا قادرين على التمييز واختلطت لديهم المفاهيم فلم يعودوا يدركون الفرق ما بين الوطن والحكومة وما بين الدولة والنظام». ولهذا فسوف تنتظر دوائر الاستعمار كثيراً وهي تلح على هؤلاء القوم أن يهبوا ليرفعوا رأسها بينما هي غير قادرة على الحركة وغير قادرة على رفع رأسها المركب على كتفيها. كسرة:- إذا كنا نقول إننا توصلنا إلى حل «80%» من المشكلات مع الجنوبيين فكيف استطعنا أن نحدد هذه الثمانين في المائة.. هل قمنا بوزن كل المشكلات ووجدنا أن وزنها مائة كيلو جرام والمحلول منها ثمانين كيلو جرام.. أم هل قمنا بقياس طول المشكلات ووجدنا أنها مائتي بوصة وطول المحلول منها مائة وستين بوصة أم هل قسنا درجة حرارة المشكلات على الثيرمومتر الذي يقرأ بالفهرنهايت وكانت النتيجة أن المشكلات المحلولة درجتها مائة وخمسون درجة فهرنهايت أم قسناها على مقاس «سليزيوس» وكانت درجة حراراتها ثمانين درجة مئوية.. طيب يا جماعة إذا كان كل ذلك غير صحيح فكيف عرفنا أنها «80%» علماً بأن فك الارتباط وحده يعادل مائة في المائة والجنوبيون لا ولم ولن ولا يمكن ولا يُعقل ولا يُتوقع أن يفكوا الارتباط مع عرمان وعقار لأن هؤلاء هم «شوكة الحوت» التي يطعننا بها الجنوبيون في حلوقنا.. إذن لا بد من مراجعة الثمانين في المائة دي؟؟!