أربعات الزراعة: باعو الهميم إيهاب بالرغم من قرب المسافة بين قرى أربعات الزراعة وعاصمة ولاية البحر الأحمر «بورتسودان» إلا أن حال تلك القرى يوحي لك بأن أهلها يعيشون في قرون سابقة نتيجة لانعدام الخدمات الضرورية وليس شحها، وفي الطريق إلى قرية كسيباي مررنا بحي الإسكندرية الذي يقع على أطراف بورتسودان فوجدنا أهل الحي يجأرون بالشكوى من شُح الخدمات وانعدام بعضها، وواصلنا مسيرتنا إلى أربعات التي تبعد حوالى ثلاثين كيلو مترًا «فقط» عن بورتسودان وكان برفقتنا القيادي في المنطقة محمد موسى الذي تحدث لنا عن انعدام كثير من الخدمات ولكننا كنا نرجو أن يكون حديثه فيه شيء من المبالغة في الوصف حتى وصلنا إلى قرية كسيباي التي أكدت لنا كل ما ذكره محمد موسى. خطر يهدد المواطنين ممثل مواطني أربعات الزراعة موسى هيكل قال لنا ونحن نبدأ جولتنا في كسبياي أن هذه المناطق لأول مرة ترى زيارة صحفيين لينقلوا واقع أهلها عن قرب، وأضاف أن خور أربعات تسكنه الكثير من القبائل التي تعتمد في رزقها على الزراعة باعتبار أن المنطقة خصبة جداً ولكن بسبب قيام السد في أربعات أصبحت المياه لا تصل إلى المنطقة مما تسبب في رحيل الكثير من الأسر إلى مدينة بورتسودان وسواكن وغيرهما من مدن الولاية، وأوضح هيكل أنهم توقفوا عن الزراعة قرابة السبعة أعوام بسبب انقطاع المياه، وقال إن السد له إسهامات على الولاية ولكننا نطالب بأن تضع حكومة الولاية حلولاً حتى تتوقف هجرات الأسر من المنطقة، وعند وصول «الإنتباهة» للمدرسة التي تأسست بمواد ثابتة لاحظنا خلوها من التلاميذ إلا أن موسى أجابنا بأن الكثير من الأسر رحلت ومعها أبناؤها مما جعلهم يتمسكون ببقاء التلاميذ الذين لا يرتبطون كثيراً بأمهاتهم وتم توزيعهم على الاسر الموجودة حتى يكملوا مسيرة تعليمهم، وقال ان كسبياي فقط بها اكثر من مائتين وخمسين اسرة جميعهم تضرروا من انشاء السد، وحكومة الولاية لم تضع لهم بدائل الى جانب شبه فشل برنامج التعليم مقابل الغذاء الذي انتهجته حكومة الولاية مشيرًا الى ان هذا البرنامج حينما بدأ كان يوزع الذرة والبن والسكر والزيت ولكنه الآن اقتصر فقط على الذرة واحياناً الزيت، هذا الى جانب ان هذا البرنامج يأتي شهرًا ويغيب شهرين، ونبه اوهاج لانعدام الخدمات الصحية بالمنطقة، وقال: لا يوجد مركز صحي ولا خدمات علاجية بجانب انتشار الفقر لعدم الزراعة، واصبح المسكيت هو المورد الوحيد لأهل المنطقة لكسب رزقهم ولكنه الآن انتهى واصبح بقاء المواطنين في المنطقة مهددًا بالخطر الشديد. التنمية المغلوبة القيادي محمد موسى قال لنا ان الجسر الذي انشئ في اربعات حجز المياه التى كانت تأتي للزراعة في هذه المناطق وطالب الدولة بضرورة ايجاد بدائل للمواطنين حتى لا يتشردوا ويرحلوا الى اطراف المدن التى هي كذلك تعاني من اهمال حكومة الولاية لها، واشار محمد موسى الى ان الاموال التى تُصرف في السياحة ومهرجانات الغناء في بورتسودان اولى بها اهل القرى والمناطق التى تنعدم فيها الخدمات، وقال إن أهل هذه المناطق هم من البسطاء ولا يحتاجون لأشياء كثيرة فقط توفير المياه وبعض الخدمات الأساسية من صحة وتعليم حتى يسهموا في اعمار الولاية، واضاف لا يُعقل ان تأتي حكومة الولاية بفنانين من الخرطوم ليتغنوا في ليالي بورتسودان وبعض الرعية تبحث عن مصدر رزقها بعد ان حجز الجسر المياه في اربعات ولا يُعقل ان تكون الدولة ممثلة في حكومة الولاية تفرح وترقص في بورتسودان واهلنا يموتون من الجوع وانعدام الخدمات، وأضاف ان الوضع في هذه المناطق خطير جدًا وحكومة الولاية تغفل عنه بمشروعات التنمية المغلوبة التى تركز على الانترلوك والسياحة والاسفلت في بورتسودان ومواطنو المحليات الاخرى واطراف المدينة تبحث عن المياه والكهرباء والصحة وقائمة طويلة من الخدمات. مطالب مشروعة مع انشغال الدولة اما العم اوبشار عيسى فقال انه منذ قيام السد توقفت الزراعة في منطقتهم، واضاف انهم لم يكن لديهم شيء سوى الزراعة التى يعمل بها ابناؤهم الذين لم يجدوا وظائف في بورتسودان وكذلك الخرطوم، واوضح ان شكاواهم اصبحت كثيرة ولكنهم يعانون بشدة من الاهمال، ولكن ابشار وضع مبررًا للحكومة وقال: «نحن احيانًا بنقول الحكومة عندها مشاكل كثيرة ومشغولة بالحرب في الجنوب وكادقلي ولمن تنتهي من مشاكله دي بتلقانا مافي» واكد اوبشار ل «الانتباهة» انه لم يرى الوالي ولا معتمد المحلية يتفقدانهما ويقيفان على اوضاعنا التى تسوء يومًا بعد الآخر وطالب اوبشار حكومة الولاية بوضع بدائل لهم بعد توقف الزراعة التى كانت تكفي حاجتهم ويرحلوا الكثير من الخضروات والبطيخ والشمام لبورتسودان وغيرها من المدن، ولكننا الآن نعتمد على قطع المسكيت وبيعه حتى نعيش بكفاف، وجدد مطالبته لحكومة الولاية بحفر آبار في المنطقة حتى تعود لسيرتها الأولى. المسكيت ينقذ المواطنين لم يتركنا العم اوبشار ومن معه الا بعد ان اكرمونا بقهوة الشرق المميزة التى لم نتذوق مثلها حتى في عاصمة الولاية بورتسودان، وتوجهنا بعد كسبياي الى قرية اشنك التى تبعد مسافة عن كسبياي ووجدنا شارع الاسفلت واصلاً الى اشنك قادماً من بورتسودان وبها ايضاً «شفخانة» منذ عهد الإنجليز ولكنها تعمل وووصل صندوق اعمار الشرق لهذه القرية عبر بناء مركز صحي جيد في مبانيه واساسه ولكن هيئته تؤكد عدم تقديم الخدمة الطبية فيه، نفس المشكلة التى يعاني منها اهل كسبياي موجودة في اشنك حيث قيام السد حجز المياه عن الزراعة مما جعل المواطنين يعتمدون على المسكيت في ارزقاهم، احد المواطنين حاول تجميل صورة حكومة الولاية امامنا حينما سألناه عن عمل المركز الصحي فقال انه يعمل وبه طبيب، ولكنه الآن في منزله، مع العلم ان المركز يعمل في الفترة الصباحية نتيجة لانعدام الكهرباء فيه ووصولنا للمركز كان بعد الظهر، الا ان كاميرا «الانتباهة» فضحت حديث المواطن حيث بدت الأتربة ظاهرة على الكراسي وتربيزة كشف المرضى التى تؤكد انها لم تستقبل مريضًا منذ شهور عديدة هذا الى جانب الحبال والطبل التى اغلقت بإحكام بعض الغرف، فيما ابدى مواطنون آخرون استياءهم الشديد من شح الخدمات في المنطقة، وقالوا ان المسكيت اصبح بالنسبة لهم نجدة من مأساتهم بعد توقف الزراعة. صرف للسياحة وإمساك عن الخدمات الناظر علي محمود احمد ناظر عموم قبائل الأمرأر كان صريحًا معنا في حديثه رغم ظروف المرض الذي جعله طريح الفراش الابيض بمستوصف الخطوط البحرية ببورتسودان، وقال ان حكومة الولاية تتحمل مسؤولية الفشل في خدمة انسان الولاية، وحازت فيه على وسام الإنجاز ناحية ريف وقرى البحر الأحمر وانكبَّت بثقلها على مدينة بورتسودان دون غيرها من المدن الاخرى، لذلك فهي لم تقدم شيئًا للولاية واريافها غير القرى النموذجية الفاشلة، ويرى الناظر ان حكومة الولاية فشلت في الاهتمام بالريف وخاصة بضاحية ارياب التي بها مشكلات كبرى تبدأ بانعدام الخدمات الضرورية مرورًا بتفشي المشكلات الصحية وقلة نسبة المواليد لأسباب غير معلومة، ولم يُخف الناظر علي محمود قلقه حيال تدهور العملية التعليمية بكثير من ارياف الولاية وقراها، وطالب بتحقيق العدل في الولاية من ناحية التوظيف والتنمية والخدمات، وقال: الإهمال ليس في قرى اربعات الزراعة فقط وانما في الكثير من ارياف البحر الأحمر وقال الناظر ان حكومة الولاية فشلت في تحقيق العدل بين رعيتها ونرجو ان يتم ضم بعض المناطق الى ولاية نهر النيل حتى نجد العدل، واكد ان الكثير من مواطني الولاية ليس لديهم اعتراض على من يحكمهم ان كان من أبناء البجا او الشمال او حتى الشيطان بشرطين اولهما ان يكون مسلمًا والآخر ان يكون عادلاً، واضاف الناظر ان الكثير من الأموال تُصرف في مهرجان السياحة والمواطن لا يجد الخدمات الصحية ولا المياه ولا أدنى الخدمات التى تليق بالإنسان.