العاقب محمد حسن الموسيقي الدارس غيثارة الشجن والترانيم الدفيئة الندية الطلية البهية، الذي لم يدخل باب الغناء والالحان من باب الهواية فقط، وإنما من باب الهواية والذائقة والموهبة والدراسة والثقافة، العاقب محمد حسن يستحق منا كل تقديرٍ واجلال واحترام لأنه من وجهة نظري الشخصية - كما إلياذة هوميروس لأنه أيقونة رقي الفن والفن الراقي الهادف ويجب أن تُخلد، فالعاقب لا يتغنى بالغث وبالهزيل من الكلمات بل ينتقيها انتقاء الخبير بالأحجار الكريمة، يبحث عنها في أعماق المناجم السحيقة في جوف الأرض أو الغواص الذي يبحث عن الخرائد في جوف المحار بعمق اليم، ومع احترامي لعطاء أي فنان غنائي أو تشكيلي أو تجريدي ، فالكل في بلادي مظلوم، مظلوم من أبناء المهنة حتى قبل الاعلام الظالم أصلاً، ظُلم حتى من القائمين على أمر الفنون والثقافة. كل هؤلاء ربما يعانون من نزعة الجحود والنكران والتنكر لأهل العطاء، وأي عطاء؟! العطاء المميز نتيجة، ربما يعود نرجسية مترسبة في نفوسهم. يعتصرني الألم وأنا أقرر لحقيقة عن مقولة سارت بها الأعراب وصدقت علينا وهو أن «لا كرامة لنبي بين قومه». بالله عودوا بذاكراتكم للوراء واسترجعوا ذكرى صدى أغنيات العاقب التي انتقى كلماتها ولحنها وتغنى بها، لا أحد يختلف على أن كل واحدة بحد ذاتها أيقونة جمالٍ في اللحن والموسيقا والأداء والكلمة، ويجب أن تُخلد وتُدرس. اليوم أكتب والحزن يملأ دواخلي وأعماقي لأننا نفتقر إلى لمسات الوفاء لأهل الوفاء والعطاء، فمن المعيب أن نظلم العاقب حياً وميتاً فنهيل على كل أعماله أكوام النسيان لنغتاله مرتين، نغتاله حتى بعد أن رحل عنا، الآن فقط أدركت لماذا كل ذاك الزخم من الشجن الذي كان يميز نبرات صوت العاقب محمد حسن وكأن ألحانه تحزن عليه مقدماً في حزن مكتوم مكبوت!!. ومن نافلة القول أن نذكر في هذه التوطئة فذلكة لجمال الأصوات وتأثيرها طالما جئنا على ذكر الموسيقار العاقب صاحب الصوت الشجي الأنيق الندي، لقد أحب الناس الصوت الجميل وطربوا له في كل زمان ومكان، وأثر في نفوسهم وحرك أحاسيسهم. وما عناية العرب والمسلمين بترتيل القرآن الكريم وتجويده، واهتمامهم باختيار أحسن الأصوات للأذان إلا دليل على أن جمال الصوت يؤثر في نقل المعاني، وإيصالها إلى العقل والقلب معا، كما وجهوا اهتمامهم كغيرهم من الأمم إلى الغناء والموسيقا وكان من جراء عنايتهم بهما تأليف الكتاب الموسوعي العظيم «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني الذي يتحدث في معظمه عن أهم الأصوات والألحان الشائعة في العصرين الأموي والعباسي ويترجم لأصحابها من المغنين والشعراء!! ومن يستمع لأي أغنية وقصيدة مغناة للموسيقار العاقب محمد حسن رحمه الله يحس بكونٍ من الدفء والشجن عبر موسيقا حالمة راقية لا تخطئها ذائقة أذن تستحسن عذب الأصوات، وأجمل ما في هذا الموسيقار هو دقة انتقائه للكلمات والقصائد المفعمة بالشجن الرومانسي ويبدو أنه يعيشها بوجدان العاشق المحروم. إن الإرث الذي خلفه الموسيقار العاقب محمد حسن يفترض أن يكون ملكاً للأجيال التي تليه حتى يقتدوا بالنهج الذي تكلله جدية العمل بدءًا من انتقاء الكلمة ومعايشتها في الوجدان والخيال ثم تلحينها وأدائها، فبمجرد سماعك له تشعر بأنه عملٌ كامل مكتمل ومتناغم بذل فيه جهد وجدية وتجرد تشعر من أول وهلة أن صاحبه عاشق للفن، ومثله لا محالة لا ينتظر مقابله جاهًا ولا ثراء ولا منحة أو عطايا ولا يقف صاحبه أمام باب الخليفة يطلب الاذن بالخول والمثول لينالها، ولكنه يعتبر أن الفن رسالة وقيمة وأخلاق لأبد أن تُقَدَّم للمستمع في أجمل حلة وثوب قشيب لأنه يدرك أنه يخاطب الحس والمشاعر وكل ذي مخيال وذائقة. رحم الله الموسيقار المبدع المظلوم العاقب محمد حسن..