تعرضتُ لما أدلى به د. نافع علي نافع خلال لقاء تنظيمي في المركز العام للمؤتمر الوطني حول تعويل باقان أموم على إسقاط نظام الخرطوم من خلال المحاولة الانقلابية التي كُشف عنها مؤخّراً أو غيرها من الوسائل التي تشارك فيها الحركة الشعبية وعملاؤها في قطاع الشمال والجبهة الثورية السودانية التي تضم الحركات الدارفورية المسلحة والخلايا النائمة التي تنتظر لحظة الصفر في الخرطوم، وقلت إن تصريح نافع هذا ينبغي أن يكون دافعاً لأن يعيد ومؤتمره الوطني النظر في كيفية التعامل مع الحركة الشعبية بما يجعلهم يرسمون إستراتيجية أخرى تقوم على اقتلاع الحركة الشعبية من حكم الجنوب باعتبار أن ذلك هو السبيل الوحيد لإقامة جوار آمن وسلس بين الدولتين الجارتين... بدون ذلك سيظل السودان مُستنزَفاً وستظل التمردات تنهش استقراره وسيظل الاضطراب السياسي يفتّ في عضده وسيظل أذناب الأفعى السامّة يخربون ويدمِّرون ويقتلون ويعطِّلون المسيرة ما لم يُحطَّم الرأس الآثم الخاطئ في وكر الشر (جوبا) المدعوم من قِبل أمريكا وصويحباتها. على أن ما لفت نظري خلال ذلك اللقاء الحديث الطيب الذي أدلى به والي الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر الذي يشغل كذلك منصب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم، فقد أوضح الرجل حسب صحيفة (الرأي العام).. أوضح: (أنهم يعملون لهدف حكم السودان بما يُرضي رب العباد قبل العباد) وزاد بقوله: (نريد أن نعمل عملاً يشرِّفنا أمام رب العالمين) وأكَّد أن المؤتمر الوطني يرتب للتداول السلمي للسلطة مضيفاً: (أي راجل عندو رغبة يحكم البلد دي يجي ينازلنا في صناديق الاقتراع)!! لن أعلِّق على الجزء الأول من حديث الخضر حول العمل بما يُرضي الله ونسأل الله أن يجزي الخضر على هذه النية الطيبة، أما الفعل الذي نراه في الدولة... أما العمل فإننا نسأل الله أن يغفر لهم فشتان بين القول والفعل وشتان بين الشريعة والدغمسة وشتان بين المثال والواقع وشتان شتان بين العدل والظلم!! ما أُريد أن أعلِّق عليه الآن هو حديث الخضر عن تحدِّيه لمن يُريد منازلتهم في صناديق الاقتراع. أسألك بالله يا الخضر وقد تحدثتَ عن إرضاء رب العباد أن تُجيبَني كيف ننازلك والساحة مفتوحة لك وحدك والإعلام محجوز لك وحدك تخاطب من خلاله الجماهير ونحن لا يُتاح لنا مجرد الحديث في قاعة مغلقة ناهيك عن الميادين العامّة؟! هل يعلم الخضر أننا حتى قبل ستة أشهر كنا نستطيع أن نُقيم الندوات في قاعة الشهيد الزبير محمد صالح للمؤتمرات وفي غيرها بدون إذن من السلطات وأننا محرومون من ذلك الآن إلا بإذن مستحيل في الغالب إلا بعد أن ينتهي الموعد المحدَّد للنشاط السياسي؟ هل يعلم الخضر أن ذلك ليس مقصوراً على الخرطوم وإنما في كل ولايات السودان؟! فليُجبني الخضر هل يطلب إذناً من أحد عندما يخاطب هو أو مؤتمره الوطني الناس في الساحات العامّة أو عندما يقيمون نشاطاً سياسياً، وهل يعترض طلبَه أحدٌ إن هو أو غيره من قيادات الوطني استأذن لإقامة نشاط ما؟! كيف يعترضه أحد وهو الذي يمنح الإذن؟ فليُجِبني الخضر... هل التلفزيون القومي مملوك للسودان أم للمؤتمر الوطني بل هل تلفزيون ولاية الخرطوم وإذاعتها مملوكان للحكومة وللمؤتمر الوطني أم لشعب الخرطوم والسودان من بعد؟! ثمة سؤال آخر.. هل العدل القيمة الأولى التي أمر الله بها يا من تسعَون إلى إرضاء الله تعالى... هل العدل يُقام أو يقوم بين حزبكم والأحزاب الأخرى المضيَّق عليها... كم يملك حزبُكم من مال ودُور وممتلكات وكم تملك الأحزاب التي دعوتموها للمنازلة في صناديق الاقتراع؟! هل كنتم ترضَون هذه المعاملة من الحكومة عندما كنتم في المعارضة؟! خلال الاجتماعات التي تُعقد في القصر الجمهوري للجنة السياسية للدستور والتي تلتئم إحدى جلساتها صباح هذا اليوم تطرَّق عددٌ من الأعضاء لأهمية تهيئة المناخ من أجل إعداد الدستور، سيَّما وأن من مهام اللجنة إقناع الأحزاب والتنظيمات المقاطِعة للهيئة القومية لإعداد الدستور بالمشاركة والانخراط في عضويتها ولعلَّ من أهم المطلوبات لتهيئة المناخ بسط الحريات وإتاحة الفرصة للنشاط السياسي ولكن!! بعد عام ونصف تقريباً ستُجرى الانتخابات التي دعا الخضر الرجال والأحزاب إلى الدخول إلى حلبتها لكن كيف تدعو المكتوف إلى السباحة وكيف ترميه في اليمّ وتحذِّره من الابتلال وكيف تقنع العالم عندما تعلن نتيجة الانتخابات أنك لم تزوِّرها من خلال التضييق على منافسيك أو أنك لم تخُضها وحدك في ظل حرمان الآخرين من الوسائل؟! لا أدعو الخضر إلى عقد المقارنة بين الحريات المتاحة في دول الربيع العربي التي لا تخضع صحافتها للرقابة القبلية أو صحافيوها لكسر الأقلام والمنع من الكتابة بل إن إصدار الصحف والقنوات والإذاعات يتم بمجرد الإخطار للعلم فقط وليس للموافقة لكني أدعوه إلى العدل وإلى إنفاذ ما نصَّ عليه الدستور من حقوق إذ يتعذَّر علينا أن نصدِّق أن الحكومة جادة في استصدار دستور جديد وهي تخرج على الدستور الحالي بحظرها الحقوق الدستورية للأفراد والأحزاب والتنظيمات السياسية. أعلم أن السودان يعاني من تمردات مسلحة لكني أرفض أن تُتخذ الظروف السياسية مشجباً تُعلق عليه قرارات مصادرة الحريات ويُضيَّق به على الناس كما أرفض أن تُستخدم آليات الطوارئ بالرغم من إنكار الدولة أنها مُطبَّقة. يجب أن تتمتع الدولة بشيء من المصداقية التي هي جزء لا يتجزأ من المشروع الإسلامي الذي تزعم الدولة أنه يمثل المرجعية الحاكمة لها وذلك من خلال إطلاق الحريات للأحزاب الوطنية التي لم تُعلن أنها تسعى لتقويض النظام الدستوري ولإسقاط النظام أو قل لكل حزب يلتزم بالتداول السلمي للسلطة، وأعجب كيف يا نافع ويا الخضر تعرفون الأوزان الحقيقية للأحزاب السياسية بدون أن تتيحوا لها العمل السياسي الحُر وكيف تأمنون على أنفسكم من ثورات الربيع العربي وأنتم تتجاهلون حقيقة أنكم تمارسون قمع مبارك أو نميري الذي لم يُنجِه من الثورة لأنه لم يكن يعتمد على وزن حقيقي حتى وهو يعلن عن فوزه بنسبة 99% من أصوات الناخبين؟! --- الفتاة المُنَصَّرة اتضح لي أن الفتاة التي تم تنصيرها وتهريبها من قِبل بعض الجماعات الكنسية إلى أديس أبابا بعد رحلة طويلة عبر القاهرة ثم جوبا ثم نيروبي، وتمكَّن والدها من إعادتها إلى السودان بمساعدة السفارة السودانية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.. اتضح لي أنها لم تتزوج كما ذكرتُ في مقالي السابق، ولم ترافق أحداً من مُنصريها ممن ورد في الخبر أنه أغراها بالزواج قبل أن يختطفها.. ما حدث أن المجموعة الكنسية التي قامت بتنصيرها أقنعتها بالخروج من السودان حتى لا تتعرض لضغوط أو عقاب من قبل أسرتها أو المجتمع من حولها، وكانت تعتزم تسفيرها إلى أوروبا، وقامت بالفعل بتوفير تذاكر السفر وبقية الإجراءات بغرض استكمال ذلك المخطط الأثيم .