المقالات التي يدونها أصحاب العقل الراجح، والفكر القادح، يجب أن تحتشد فيها مواكب هادرة من الصخب والضجيج الذي يلفت الانتباه لبعد الصلة بين ماضينا التليد، وحاضرنا الذي ناله ما ناله من نكاد الدنف، وكامن الوصب، الذي هزّ فينا منابت الوقار، وبيئة أهل اليراع المولعة بتعقُّب العيوب ينبغي أن ترصد مجسات أسنتهم ما في الحياة الاجتماعية من قوة وضعف، وتحليق وإسفاف، وأن تنأى تقاريرهم عن شوائب المصلحة، وتخلو ألفاظهم من اللطف والرفق، ومعانيهم من التزيد والافتراء، على ضوء هذه العقيدة الراسخة أقول وفي القلب حسرة إن مجتمعنا الذي أصابته شآبيب البلاء قد جنح عن الطريق الذي سار عليه أسلافنا، وأجنف عن السبيل القويم الذي اشتهرنا به بين لداتنا، وبات السوداني المغنمٌ المدخر للقيم، والمأثرة الباقية للأخلاق، لا يتمعر وجهه وهو يرى قطيع الذئاب يرتع في وداعة مع أسراب الظباء، بل يرى الشيطان الممثل في المنظمات الغربية تحتال بخديعتها ومكرها ولطف مسالكها فلا يأبه لذلك، ليت شعري أين ذهبت النخوة التي يحتكم لمبادئها، ويستضيء بنورها، نظرات خاطفة، ولمحات سريعة في أرصفة الطرق، وأقاريز الشوارع، تخبرك أيها الأعز الأكرم عن الباطل الذي استأسد، والهداية التي خنست، والدولة التي زينت اسمها بهالات من المجد الكاذب، فأين هي الشريعة بربكم والفجور فلكه دائر، وسقفه سائر، ورقيمه مائر، أين هي الشريعة وجحافل العصاة قد استمرأت الوقوع في حرمات الله، أين هي الشريعة وسماء السودان كثر فيها الريح العاصف، والزعزع القاصف. لقد حرص الإسلام على ترسيخ الحياء والفضيلة فى النفوس، وسعى لأن يكون سجية يجب أن يتحلى بها المؤمن فالحياء من الإيمان ف«عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان». كما دعت شريعته لنبذ الأفعال والألفاظ التى تخدش الحياء ويمجها الذوق السليم، و إلى الابتعاد عن كل ما يضرم الشهوات ويذيع الرذيلة، ونجد أن الدين الخاتم قد طمر جميع البؤر والمنافذ التى يمكن أن يتسلل منها الشيطان إلى الأفئدة فنهى عن النظر الشهواني ونادى بكبح جماحه، لأن ذلك النظر يجعل الغلبة والانتصار لإبليس وجيشه اللجب من الفتن والشهوات، فبيننا وبين ابليس نزاع لا ينقطع وصراع لا يفتر، ودوحة الحياء العرضى العام يجب أن يرسخ لها أصل ويسمق لها فرع فى مجتمعاتنا بحيث لا تقع أبصار الناس على ما ينافي عقائدنا المغروسة وتقاليدنا الموروثة فتخلو ردهات الجامعات، وصالات الأعراس، من التبرج وفوضى الاختلاط، وتشابك الأيادي الذي بات ظاهرة يراها حتى الضرير، فنحن نختلف عن تلك الشعوب التى حولنا والتى تدعو إلى الزنا وتيسر أسبابه وتمهد سبله وتقبل نتائجه، فعندنا من «يحتوي زوجته فى الطريق العام يعد مرتكباً لجريمة الفعل الفاضح فى علانية رغم أن ما آتاه ليس جريمة فى ذاته وإنما هو أمر مشروع إلا أن المسلك الذى أتى به فعله مؤداه إيذاء الشعور العام وخدشاً للحياء العرضي». الأمر الذى يقتضي أن يعاقب عليه عقوبة تعزيرية تحجمه عن تكرار الفعل إذا سولت له نفسه فعل ذلك مرة أخرى. ولا يخالجني شك بأن من يقدم على هذا التصرف الذى يندب الأخلاق وينعى الشرف والنخوة فى حوزته من موارد الدين والقيم ما هو قمين بأن يعصمه من ذلك الزلل ولكن الاستلاب الغربى الذى يعانى منه والذى اجتمع تحت مظلته الوارفة الملايين من الشباب هو الذى جعله ينجرف عن جادة السبيل وينظر لمن هو متشبث بدينه وقيمه بأنه شخص يعيش فى سجية الماضى كما فيه تصديقاً للحديث الذى رواه عبدالله بن عباس رضي الله عنه فقد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه». حرصت الشريعة الغراء على حماية الشعور العام بالحياء وعرقلة كل فعل فاضح وإجهاضه بكل سبيل حتى لو كان ذلك الفعل تعبيراً عن علاقة مشروعة بين زوجين يتساقون أقداح الوداد فى قارعة الطريق لأن بفعلهم هذا يدركهم العار وتلحقهم الخزاية ويصيبوا الصلة التى كرمتها العقيدة فى مقتل والتى نظمت كنه هذه العلاقة ودعت أن تؤتى فى عزلة وتتم فى صمت، أما من يخرج عن الموروث ويعارض المألوف فيقع تحت طائلة العقوبة التى ارتضتها الشريعة الغراء قمعاً للشهوات ولجماً للنزوات.