أحمد محمد يوسف الدالي من أبناء بحر أبيض وُلد بالقردود ريفي الدويم، وهو أحد الأسراب المهاجرة التي حملت حقائب الرحيل مبكرًا وحمل معه هم الوطن والفن رسم لنفسه بصمة خاصة في تحريك إبداعات السودانيين بالمهجر وحاول أن يصنع لهم منابر إبداعية عبر منتديات ثقافية وفنية واجتماعية كان لها الدور الكبير في التواصل بين المغتربين، عمل الدالي مديرًا للشؤون الإدارية بأسواق وحراج الأمير متعب، ويعمل حاليًا في منصب المدير التنفيذي لشركة الثروات فرع مياه نبع بقين الطبيعية بالمملكة العربية السعودية (زاوية حصاد الغربة) التقته وتبادلت معه بعض قضايا الثقافة والفن وكافة أشكال الحراك الاجتماعي. ٭٭ كيف ومتى بدأت هجرتك؟ هاجرْتُ إلى المملكة العربية السعودية في العام (1982م) حيث قدمْتُ معتمرًا قبل الحصول على بطاقة الإقامة التي تكفل لحاملها الإقامة النظامية في المملكة حسب القوانين المتبعة في بلاد الحرمين حرسها الله. ٭٭ ما هي الدوافع التي دفعتك للهجرة؟ عندما تُوفِي خالي المرحوم محمد آدم الدالي والذي قام بتربيتي بعد وفاة والدي، فترك أولاد قُصَّر، ولم يكن أمامي خيار غير الهجرة، فقمْتُ بتربية كل أبنائه وتزويجِهِم ولله الحمد. ٭٭ ماذا أضافت لك الغربة وماذا خصمت منك؟ لا شك أن الغربة قد أضافت لي الكثير خاصةً أنها في بلد الحرمين الشريفين والأراضي المقدسة، وبها جالية سودانية تُعتبَر من أكثر الجاليات نشاطًا حيث تداخلت مع عدة أجناس.. وكما هو معلوم فإنَّ الفردَ يأخذ من الجماعة الثقافات والعادات والقيم النبيلة، وكل واحد من هؤلاء الناس يُريدُ أن يكونَ سفيرًا لبلدِهِ، ومع ذلك فإن الغربة قد خصمت مني الكثير حيث عشْتُ فترة عنفوان شبابي خارج بلادي التي لها عليَّ فضلٌ كبير في تربيتي وتعليمي، ومع ذلك كنتُ حريصًا وسط هذا الكم الهائل من البشر أن أكونَ سفيرًا شعبيًا للسودان وقد وفِقْتُ في ذلك ولله الحمد. ٭٭ ما هي المُعينات الوظيفية التي توفرت لك بالمِهْجر ولم تجدْها بالوطن؟ لم أتقدم لوظيفة في بلدي، حيث خرجْتُ من السودان مُبكرًا وأُتيحَتْ لي وظيفة طيبة بالمملكة العربية السعودية، حيث وجدْتُ رجل خير صادق ومتديِّن وهو الشيخ/ محمد سعد عطية الله الحربي شيخ أسواق وحراج الأمير متعب سابقًا، وقد أعطاني مطلق الصلاحية والتصرف لثقتِهِ الكبيرة في شخصي بعد عُشرة دامت سنوات طويلة وما زالت حتى الآن. ٭٭ ما مدى ارتباط أبناء الأسر السودانية بالعادات والتقاليد السودانية في المهجر؟ ارتباطهم وثيق بعاداتهم وتقاليدِهِم السودانية، لاسيما أنَّ أهلَنا وأرحامَنا من الدناقلة والمحس قد تركوا بصمة واضحة وسمعة طيبة من خلال حراكِهِم الاجتماعي والثقافي والاحتفالات التي يُقيمونها حيث كانت هُناك أسابيع ثقافية ومهرجانات رياضية وتراثية وفنون تشكيلية وفلكلور سوداني ومعارض للكتب السودانية، وتمَّ تكوين لجنة فنية كُلِفْتُ برئاستِها، ضمت في عضويتِها نخبة طيبة من أهل الفكر والأدب والثقافة أذكر منهم: الأستاذ/ عبد الله عبد الدائم شفاه الله، والنعيم الخير حسن، عبد الهادي أحمد خليل، الدكتور محمد عبد الله الريَّح، الشاعر تاج السر عثمان الطيب، والأستاذ/ عطا المنان علي بابكر، والباحث والكاتب عبد الله أبُّو إمام، وصلاح سري، والحاج آدم قُضّيم، والفنان التشكيلي والصحفي المعروف محمد خير كباشي، وكثيرون لا يسع المجال لذكرِهِم فلهم العُتبى ، كان ذلك في العام (1985م)، حيث قاموا بعمل كبير لربط أبناءِ المُغتربين بالوطن عبر الفنون التشكيلية والمسرح بقيادة أبو دليبة، وكذاك السباحة والفلكلور السوداني، وقام عبد الله أبو إمام بجمع كل المؤلفات والكتب السودانية والتي تم عرضُها في ركن الكتاب السوداني بالقنصلية، فكان ذلك عمَلاً ثقافيًا مُوفَقًا. فالشكرُ لله أولاً ومن ثم للأخوين/ عبد الله عبد الدائم والنعيم الخير اللَّذَيْن كانا وراءَ كل هذه النجاحات ولهم الفضل في ربط الأبناء بالعادات والتقاليد والتراث السوداني. ٭٭ وأنت أحد أعمدة الجالية كيف تُقيِّم الحراك الاجتماعي للسودانيين بالمنطقة الغربية؟ هو حراك جماعي يقف خلفه أناس عُظماء مُولَعون بحب الوطن، ساعدتهم هممهم العالية ونفوسهم الرضية في العمل بروح الفريق الواحد من أجل تحقيق الترابط والتعاون بين جميع السودانيين في بلاد المهجر وقد انعكس ذلك في تحقيق الكثير من النجاحات التي تمت خلال سنين الغربة الممتدة، وكذلك كان لحضور مجموعات من الفنانين الكبار بالسودان بطرق مدروسة وتنسيق مسبق أعمق الأثر في نفوس أبناء الجالية، ونذكر من هؤلاء: الفنان عثمان حسين وعثمان الشفيع وسيد خليفة، وأسطورة الغناء السوداني محمد وردي نسأل الله لهم جميعًا الرحمة والمغفرة، ونذكر من الأحياء كل من الفنان الأستاذ/ عبد الكريم الكابلي، و محمد الأمين، عبد العزيز المبارك والطيب عبد الله وعبد الله البعيو وصديق سرحان وحمد البابلي وحمد الريح وصلاح ابن البادية وعبد الرحمن عبد الله، شارك كل هؤلاء في إحياء ذكرى الاستقلال وفي المناسبات الاجتماعية التي كانت تُقيمها الجالية السودانية، فترك ذلك أثرًا كبيرًا في نفوس أبنائنا وربطهم بالوطن، كذلك كان لحضور الأدباء الكبار: الأستاذ/ فراج الطيب والبروفيسور صلاح فرج الله دور كبير في النواحي الأدبية والثقافية من خلال مشاركاتهم المميزة في الأسابيع الأدبية والثقافية.. وحقيقةً كان هُناك حراك ثقافي اجتماعي رياضي فاعل، كما أن الدورات والمهرجانات الرياضية، وكذلك تكوين الفرق الرياضية بالجالية أتاح كل ذلك للسودانيين بمختلف سحناتهم وتوجهاتهم فرصًا كبيرة للتلاقي والترابط والتعاون فيما بينهم حيث كان الجو السائد في السابق جوًا صحيًا ومُعافى ساعد في الحفاظ على النسيج الاجتماعي وحمايته من عوامل الضعف والتمزق بعيدًا عن الحزبية والقبلية والجهوية. ٭٭ السوداني سمعته كالذهب بالمملكة ما تعليقك؟ السوداني سمعته كالذهب هذه حقيقة وإرث عظيم حافظ عليه أبناء الجالية السودانية وساعد على رسوخه أبناء الدناقلة والمحس الذين عملوا بالقصور الملكية والأميرية والديوان الملكي وذلك بصدقهم وأمانتهم وإخلاصهم في العمل فضلاً عن الروح الطيبة التي يتحلون بها، ثم جاء بعد ذلك أبناء السودان من كل الولايات فحافظوا على هذه القيم من خلال عملهم في الشركات والمؤسسات الحكومية فأضحى السوداني مثالاً للأمانة والصدق والإخلاص وأنموذجًا يُحتذى به في التعامل الراقي الذي يغبطهم عليه الآخرون.. وكمثال على ذلك أنَّ زوجة أحد الدبوماسيين الخليجيين كتبت مقالاً قيِّما في أيام حرب الخليج بعنوان (الشعب الذي لا يصدأ) ذكرت فيه الكثير من الصفات التي تفرَّد بها الشعب السوداني، وأتمنى من الجميع المحافظة على هذا الإرث العظيم والقيّم النبيلة المميزة للجالية السودانية دون سائر الجاليات.