أحمد محمد يوسف الدالي من أبناء بحر أبيض وُلد بالقردود ريفي الدويم، وهو أحد الأسراب المهاجرة التي حملت حقائب الرحيل مبكرًا وحمل معه هم الوطن والفن رسم لنفسه بصمة خاصة في تحريك إبداعات السودانيين بالمهجر وحاول أن يصنع لهم منابر إبداعية عبر منتديات ثقافية وفنية واجتماعية كان لها الدور الكبير في التواصل بين المغتربين، عمل الدالي مديرًا للشؤون الإدارية بأسواق وحراج الأمير متعب، ويعمل حاليًا في منصب المدير التنفيذي لشركة الثروات فرع مياه نبع بقين الطبيعية بالمملكة العربية السعودية (زاوية حصاد الغربة) التقته وتبادلت معه بعض قضايا الثقافة والفن وكافة أشكال الحراك الاجتماعي. ٭٭ حدِّثنا عن صالون أحمد الدالي الثقافي والأدبي؟ إنَّ أهداف الصالون هي امتداد للعهد الذهبي للجالية السودانية وهو عهد المغفور له العم ساتي صالح وتتمثل في المحافظة على القيم والعادات والتقاليد السودانية وغرسِها في نفوس أبنائِنا الصغار، وكذلك التعريف بالشعر السوداني والاستماع إلى الأغنيات السودانية الأصيلة واستبدال الهابط منها بأغنيات ذات مضمون ومعاني تُناسب الذوق العام مع معالجة رتابة اللحن والسلم الخماسي.. وعندما توقفت في العام (1993ه) الاحتفالات والمهرجانات في القنصلية العامة بجدة، قمْتُ ومعي مجموعة طيبة من أهل الفكر والثقافة والأدب بتأسيس صالون الدالي الثقافي الأدبي. ٭٭ وماذا أضاف الصالون في رصيد الثقافة والأدب لأبناء الجالية السودانية؟ أضاف الكثير لأبناء الجالية من خلال إقامة الليالي الأدبية وليالي المديح مع إثراءِ الساحة السودانية بالسهرات الغنائية والألحان الخالدة وبثها حية على استديوهات أم درمان ومباشرة على صالات العرض، حتى أصبح الصالون منارةً للثقافة والأدب ومنه خرجت ثقافة تكاثر المنتديات في مدينة جدة، وكذلك اقتراح تدريس مادة التربية الوطنية وإدراجها ضمن المنهج السوداني ومن هنا أناشد الإخوة في رابطة المعلمين القيام بوضع خطة لمادة التربية الوطنية وعرضها على الجهاز القومي لتطوير المناهج ببخت الرضا. ٭٭ ما هي تجاربك الشعرية ومتى كانت بداياتك؟ ملكة الشعر هبة ربانية حبانا الله سبحانه وتعالى بها في قبيلة بني جرار حيث كان ذلك ضمن ما ورثناه عن أجدادنا من شعر الدوبيت، والشعر هو تجسيد للأحاسيس والمشاعر سواء كانت وطنية أو عاطفية أو حماسية، حيث كانت بداية كتابة الشعر وتدفق عسل القوافي وأنا تلميذ بالصف الأول المتوسط، فشاركتُ في أول جمعية أدبية لمدارس بخت الرضا وكانت المنافسة بين مدارس المعهد الثلاث (النيل الأبيض، والريفية والدويم شمال) فكان لي شرف الفوز بالجائزة الأولى في تلك المسابقة، وأيضًا فزت بالجائزة الأولى في الإلقاء الشعري بمدرسة النيل الأبيض الثانوية فقدَّم لي أستاذ الأجيال والمربي العظيم وفارس العربية وحامي حماها أستاذي الموقر/ أحمد عرابي هديةً قيمة ومن مكتبته الخاصة ديوان الشاعر الفذ إيليا أبو ماضي. ٭٭ وهل للغربة أي تأثير في إبداعاتك الشعرية؟ تأثير الغربة كبير وأثرها لا يخفى على كل مَنْ أصبح بعيدًا عن دياره ومراتع صباه الأولى، لاسيِّما الشعراء حيث تفيض أحاسيسهم ومشاعرهم فيترجمون ذلك شعرًا صادقًا نابضًا بالحياة فيهيمون بحب الديار والحنين إلى الوطن وترابه الغالي. ٭٭ ما هو دوركم كشعراء في نشر وغرس الثقافة السودانية في المهاجر؟ لعبنا دورًا بارزًا ومميزًا في نشر الثقافة السودانية بين أبناء الجاليات، حيث كنتُ رئيسًا للجنة الفنية فقمْنا بالتنسيق مع الإخوة السعوديين و شاركنا في الاحتفالات التي أٌقيمت في نادي جدة الأدبي ونادي أبها ومهرجان أبها الثقافي، وعملنا كذلك تواصلاً مع بعض الشعراء والفنانين من الإخوة السعوديين حيث توطدت علاقاتُنا معهم فأصبحت على أحسن ما يكون وذلك من خلال صالون الدالي الأدبي ومنتدى السودان الثقافي، ومنتدى الإمام عبد الرحمن، وساهمنا كذلك في توصيل الثقافة السودانية من خلال مشاركاتنا الفنية والشعرية والتراث والفلكلور السوداني مع الإخوة في الجالية اليمنية بمملكة الخير. ٭٭ مع مَنْ تعاملتَ من الفنانين وهل لديك أعمال نالت حظَّها عبر وسائل الإعلام المرئية؟ تعاملتُ مع عدد كبير من الفنانين السودانيين، حيث كانت البداية مع أخي الفنان حمد البابلي الذي شكل معي ثنائية ممتازة بين شاعر وفنان تغنى لي بأكثر من عشرة أعمال قام بتسجيلِها في الإذاعة السودانية وتلفزيون السودان ثم الفضائيات السودانية الموجودة حاليًا، وأيضًا الفنان صديق سرحان والفنان عبد الله البعيو الذي ربطتني به علاقة إخوة صادقة ثم أصبحت أسرية، وكذلك الفنان كمال ترباس والكابلي وزكي عبد الكريم.. وآخر عمل نال حظه في وسائل الإعلام المرئية كانت أغنية أمي يا كنز العطا والتي تم تقديمُها في عيد الأم الأخير أداء الفنان الرائع الموهوب حمد البابلي حفظه الله ورعاه. ٭٭ ما هو دوركم في إعلام الجالية لمحاربة الظواهر السالبة بين أبناء الجالية السودانية؟ ساعدني التواصل الحميم مع الجميع على بناء شبكة علاقات واسعة مع أبناء الجالية السودانية مما أكسبني حبِّهِم وتقديرهم، وبالتالي التعامل السلِس معهم والاستجابة السريعة عندما أقوم بالتنبيه على الابتعاد عن أي ظاهرة من الظواهر السالبة، ومن هُنا أحث الجميع على التحلي بمكارم الأخلاق والعفو والمسامحة والترفع عن صغائر الأمور والنظر إلى الأمام بأفق واسع، والترسيخ إلى ثقافة التعاون والتكافل وحل الخلافات التي تحدث من وقت لآخر بأسلوب ودي وحضاري. ٭٭ هل تعتقد أن هناك قصورًا إعلاميًا من الجالية في توفير أراضي سكنية للمغتربين؟ لا أرى تقصيرًا في هذا الجانب، حيث قامت أمانة الإعلام بدور محسوس وملموس في توصيل كل المعلمومات المهمة إلى أفراد الجالية السودانية من خلال الفضائيات والإذاعة والصحف وذلك بفضل العلاقات الطيبة التي تربطني مع الزملاء في وسائل الإعلام المذكورة، وأمانة الإعلام هي الأمانة الوحيدة في الجالية التي كونت مكتبًا متكاملاً من الإخوة الإعلاميين وتوزيع المهام على جميع أعضائِها فكان كل واحدٍ من أفرادِها أمينًا للإعلام له جهوده وبصماته التي تُميِّزه. ٭٭ ما هو تقييمك لمسيرة وأداء الجالية السابقة؟ تكوّنت الجالية السابقة بطريقة سليمة جدًا، حيث لعبت فيها الحكمة دورًا مهمًا ابتداءً من اختيار اللجنة الفنية التي قامت بوضع الدستور والتي تم تشكيلُها من كل ألوان الطيف السياسي ومن كل فئات المجتمع فكان عدد أفرادِها عشرين رجلاً وامرأتين، ويقف خلف كل هذا النجاح الرجل الخلوق المتواضع والسفير المحترم أحمد التيجاني، ونائبه عبد القادر عبد الله والمستشار إبراهيم قريشابي، فكانت هذه هي الخطوة الأولى من نوعِها يتم بعدها وضع دستور نحسب أنه مواكب بمقاييس تلك الفترة حيث بذلت اللجنة الفنية في إعداده وصياغته وتمت إجازته ومن ثم تكونت بموجبه الجالية السودانية من كلِّ الولايات والفعاليات السودانية والجمعيات المتخصصة والمهنية، فكان ذلك نموذجًا طيبًا ونهجًا جديدًا في عمل الجاليات، ثم تم تعميم الدستور في صياغته الأخيرة على جميع دول الاغتراب بواسطة جهاز شؤون العاملين بالخارج، إلا أن الجالية بالمنطقة الغربية كانت مثالاً للجاليات بالعالم وهي غنية برجالِها وأعلامِها من الشخصيات السودانية السامقة في شتى الضروب وكان لي شرف العضوية في لجنة صياغة الدستور وتكوين الجالية السابقة. فالجميل أن الجالية السابقة قامت بأعمال جليلة ومقدرة منها مطالبة الدولة بإعفاء المغتربين من الضرائب ونجحت كذلك في استقطاع نصف المساهمة من دعم السلام (مبلغ المئة ريال) وحلت به الكثير من مشكلات السودانيين في هذه المنطقة حيث ساهمت في علاج العديد من الحالات المرضية وتسفير الأسر السودانية التي حصلت لها ظروف قاهرة و طارئة، ولكن الجالية أُصيبت بانتكاسة فدبت فيها الخلافات لغياب مجلسِها التشريعي الذي لم يجتمع ولو لمرة واحدة طيلة السنوات الأربع في الدورة الحالية المنتهية الصلاحية، ومن هُنا بدأت الخلافات وحصلت الشلليات وتغيب المكتب التنفيذي الذي أصبح يتحرك بثلاثة أفراد يتصرفون في أموال الجالية ويتحكمون في إصدار قرارتِها المصيرية، فأدى كل ذلك إلى انقسام الجالية إلى مجموعتين، مجموعة اللجنة الثلاثية و مجموعة البرنامج الانتخابي المطروح للجالية الجديدة وهو برنامج عادل في نظري يكفل مشاركة كل ولايات السودان من خلال الروابط الولائية والجمعيات المهنية والمتخصصة والجاليات الفرعية والفعاليات، وتقسيم الأمانات في المكتب التنفيذي واللجان في المجلس التشريعي بالتساوي بين كل هذه الكيانات، ويتطلب ذلك مراجعة مسودة الدستور ومعالجة الثغرات التي أدت إلى حدوث أوجه القصور التي صاحبت عمل الجالية السابقة. ٭٭ ما رأيك في التصعيدات الأخيرة لتكوين الجالية الجديدة؟ في رأيي أن التصعيدات الأخيرة قد تمت بطريقة صحيحة ومنظمة وذلك بانعقاد جميع الجمعيات العمومية لتلك الكيانات وبإشراف تام من اللجنة المفوضة من قبل المكتب التنفيذي للجالية وبإشراف القنصلية العامة بجدة التي قامت بالتنسيق مع المكتب وتم تكوين لجنة مُتفق عليها سعت في حل الخلافات القائمة ما عدا مشكلة الولاية الشمالية التي ما زالت قائمة ولم يُحسَم أمرُها حتى هذه اللحظة، وهي السبب الرئيس في تعطيل قيام الجالية!. (نواصل)