شهد السودان في سنواته الأخيرة أشكالاً عديدة من انواع الهجرة نحو الدول العربية والاوروبة بحثًا عن مستوى حياة أفضل، حيث يقدر حجم السودانيين العاملين بالخارج اكثر من 500 ألف يعمل معظمهم في دول الخليج النفطية، ورغم غياب المعلومات الدقيقة عن ظاهرة الهجرة فإن آخر إحصائيات وتقارير وزارة العمل والإصلاح الإداري بالسودان هذا العام تشير إلى أن حركة الهجرة من الطرق الرسمية ظلت تتصاعد وتتراجع خلال فترة التسعينيات تبعًا لعوامل عديدة وقد تدنت معدلات الهجرة عقب حرب الخليج في 1990 ولكن سرعان ما عادت للارتفاع وتشير التقارير الى أن المهاجرين السودانيين يمثلون «90%» من القوى العاملة السودانية، حيث بينت إضرابات الأطباء على لسان لجنتهم أن «3.000» طبيب سوداني هاجروا بعد أن أدركوا أن الحل هو الهجرة و«2.000» في طريقهم إلى الهجرة، أي حوالى «5.000» طبيب ترك البلد وهاجر، بعد ان تلقوا عروضاً للعمل في المملكة العربية السعودية. ومؤخراً كشف رئيس لجنة تدرج الاختصاصين بالمجلس الطبي السوداني د. أحمد الصافي ان عدد الاطباء المسجلين بالمجلس بلغ « 22» الف طبيب وان « 60%» منهم يعملون خارج السودان، هذا التصريح يعتبر ناقوس خطر للحقل الطبي، ويثير تساولات عديدة حول مدى امكانية تحمل هذا القطاع لهذا النقص، وهل تسطيع الكوادر المتبقية من الاطباء «40%» الايفاء بمتطلبات السودان وسد النقص والعجز في المستشفيات والمراكز الصحية في العاصمة الخرطوم والولايات الاخرى علماً بان المجلس الطبي يؤكد ان «40%» من السكان محرمون من خدمات الرعاية الصحية الاولية فيما يحصل عليها «20%» فقط. وفي هذا الاتجاه نظم منتدى الشجرة الدوري الذي نظمته امانة الفكر والثقافة بالمؤتمر الوطني أمس الاول حيث دعا المشاركون الدولة الى تبني إطار وسياسة قائمة على استراتيجية واضحة المعالم لتقنين هجرة الكوادر الطبية منها، بعيدًا عن التقليل من كم المهاجرين، مع النأي عن سياسة دفن الرؤوس في الرمال، بان تمتلك الدولة الشجاعة اللازمة لمعالجة دواعي الهجرة وسط الكوادر النوعية المميزة التي تفقدها البلاد، بسبب الظروف الاقتصادية والدواعي الاجتماعية. وفي ذات السياق اعتبرت الدكتورة إبتسام ساتي إبراهيم في الورقة التي قدمتها هجرة العقول إهدار للموارد البشرية والمادية، واتهمت الدولة بالفشل في إدارة أمر الهجرة، وانتقدت من وصفتهم بالملتفين حول موضوع الهجرة ويعملون على التقليل من آثارها الاقتصادية والاجتماعية، ورأت ابتسام ان هجرة الاطباء هزمت فكرة مشروع توطين العلاج بالداخل، وان الطب في السودان اضحى نظرياً جراء الافتقار الى التدريب، مشيرة الى وجود أطباء كثيرين يمتهنون مهنًا غير تخصصاتهم «اي مهن هامشية»، داعية الى تضافر الجهود ذات الصلة بالهجرة وإحكام التنسيق بينها للخروج باستراتيجية شاملة، مع الاستفادة من تجارب الدول الاخرى في مجال الهجرة، وقالت: لا بد من قيام مشروع مسح قومي للهجرة علاوة على رصد المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية داخلياً وخارجياً وربط التعليم بسوق العمل وتشجيع الاستثمار وانشاء مشروعات تنمية لتحسين الدخول ومقابلة الزيادة السكانية المطردة. وفي سياق متصل قال احمد كباشي امين امانة الطلاب بالمؤتمر الوطني تعتبر ارقام هجرة الكوادر مخيفة، حيث ارتفعت نسبتها بصورة مفزعة وان اكثر ما يفزع فيها ان معظم المهاجرين من الكوادر المميزة والنوعية بالبلاد على مستوى القطاع الصحي ومؤسسات التعليم العالي التي وصل عددها الى «1000» استاذ جامعي بحسب الاحصاءات واضاف ان سيل الهجرة لم يتوقف مده في ظل استمرارية دوافعها امام طموحات وآمال واطماع الكوادر في تحسين اوضاعها مشدداً على اهمية تبني الدولة لسياسات شاملة لتقنين الهجرة، ومراجعة القوانين والتشريعات ومعالجة المعضلات السياسية وتذليل المشكلات الاقتصادية بجانب تفعيل العمل الدبلوماسي لإيقاف مد بعض الأطماع الخارجية